يمجدها قلبي ويدعو لها فمي
وذاعت على ألسنة تلاميذ المدارس، يحملهم المعلمون على استظهارها في دروس المحفوظات إلى يومنا هذا، كما اشتهر كثير من قصائده الوطنية وأغانيه الشعبية، وجاء في هامش ديوانه بعد تمام هذه المقطوعات:
قد تمت القطع التي نظمت للنشء من تلامذة المدارس، وقال ناظمها: إنه إذا وجد الناس أقبلوا عليها أقبل هو على نظم غيرها مما هو أرقى، غير مبال بوعورة هذا المسلك الذي لم يسلكه قبله أحد، فها نحن أولاء ننتظر من الصحفيين وشبان العصر أن يأخذوا بيده في هذا المشروع، حتى لا يغيض ما بقي في ذلك الينبوع ...
1
ثم دأب على نظم أمثال هذه الأغاني، ينشر منها طرفة رائعة في كل جزء من ديوانه، فنشر نشيد الفلاحة المصرية، وأرجوحة سامي، وغيرهما، وأذاع في الصحف كثيرا مما نظم من «أغاني الشعب».
وعرف الرافعي في نفسه هذه الميزة التي فاق بها شعراء العربية في باب هو من الشعر في ذلك العصر من صلبه وقوامه، فأجمع أمره على إخراج ديوان «أغاني الشعب» يضع فيه لكل جماعة أو طائفة من طوائف الشعب نشيدا أو أغنية عربية تنطق بخواطرها وتعبر عن أمانيها، وقد جرى الرافعي في هذا الميدان شوطا بعيدا، وأنجز طائفة كبيرة من أغاني الشعب نشر بعضها وما يزال سائرها في طي الكتمان بين أوراقه الخاصة ومؤلفاته التي لم تنشر بعد.
وإنك لترى الرافعي في هذه الأغاني والأناشيد، له طابع وروح غير ما تعرف له في سائر شعره، فتؤمن غير مضلل أن الرافعي هبة الزمان للعربية ليزيد فيها هذا الفن الشعري البديع الذي تقطعت أنفاس شعراء العربية دونه منذ أنشد شاعرهم في الزمان البعيد: «نحن بنو الموت إذا الموت نزل ...» ثم لم يقل أحد من بعده شعرا يترنم به في الحرب، أو يدعو إلى الجهاد، ويستنفر إلى المعركة، حتى أنشد الرافعي.
ويقيني أن اسم الرافعي إذا كتب له الخلود بين أسماء الشعراء في العربية، فلن يكون خلوده وذكره؛ لأنه ناظم ديوان الرافعي، أو ديوان النظرات، أو المدائح الملكية في المغفور له الملك فؤاد، أو قصائد الحب والغزل بفلانة وفلانة من حبائبه الكثيرات، ولكنه سيخلد ويذكر؛ لأنه شاعر الأناشيد.
وأشهر أناشيده: «اسلمي يا مصر» و«إلى العلا، إلى العلا بني الوطن» و«حماة الحمى ...» ولكل نشيد تاريخ. •••
نهضت الأمة نهضتها الرائعة في سنة 1919، ودوى صوت الشعب هاتفا: إلى المجد إلى المجد، إلى الموت أو الحرية، وصاح صائح الجهاد يدعو كل نفس من داخلها، فإذا الأمة صوت واحد، على رأي واحد، إلى هدف واحد، وإذا مظهر رائع من مظاهر الإيمان بحق الموجود في وجوده يتمثل في كل مصري، ويستعلن على كل لسان في مصر.
Неизвестная страница