ذلك سبب من أسباب.
أما الأسباب الأخرى فمنها حب العزلة الذي ورثته وطبعت عليه، ومنها أنني أتطلع إلى معرفة العظمة حقيقة لا صورة، وأحسب أن رؤية لحظة أو لحظات لا تعرفني بالعظيم إن لم تعرفني به قراءة يوم أو أيام.
لهذا لم أنشط كثيرا إلى لقاء مشاهير العالم الذين تهيأت لي الفرص للقائهم ومحادثتهم، ولم أتوسل بعملي في الصحافة إلى محادثة أحد منهم، إلا لغرض غير حب الاستطلاع أو حب التقرب من ذوي الأخطار.
فحادثت أحمد مختار الغازي، وحادثت سعد زغلول، وحادثت إميل لودفيج، وكان باعث الحديث في كل مرة سببا غير حب الاستطلاع من جانبي، أو إرضاء المستطلعين من جمهرة القراء.
أحمد مختار باشا الغازي
ومختار الغازي كما يعلم قراء التاريخ القريب بطل من الأبطال العسكريين الذين اشتهروا في حروب روسيا والدولة العثمانية.
كانت له شهرة عالمية ومكانة موقرة، وأرادت الدولة العثمانية أن تنيب عنها في مصر مندوبا ساميا ملحوظ المكانة؛ ليستطيع بمكانته - فقط - أن يوازن مركز المندوب البريطاني بما في يديه من السيطرة والنفوذ، فاختارت مختارا لهذا المنصب، وعرف في مصر باسم القوميسير.
ولم يكن له عمل في السياسة المصرية، بل كانت كل أعماله من قبيل التشريفات، وحضور الصلاة في يوم الجمعة مع أمير البلاد.
ولكنه كان يسأل: «ماذا تعمل في مصر؟» فكان يقول: «إنني احتجاج حي على وجود الاحتلال.»
ولما خطر لي أن أحادثه كان هذا الخاطر في الواقع «شيطنة شباب» ... لأنني أردت أن أنقل باسم هذا الرجل الجريء كلاما يسمع منه ولا يسمع من غيره، وكان المحمل المصري قد تعرض يومئذ لهجمة من هجمات الأعراب في طريقه إلى مكة، وكانت الجزيرة العربية ولاية عثمانية، فليس أجدر من القوميسير العثماني بأن يسأل عما جرى فيها، وبخاصة حين يجري لأناس من الحجاج المصريين في حماية فرقة مصرية.
Неизвестная страница