ويزورني الصديق في اليوم التالي فيسألني: «أتذكر شكل الحوذي الذي ركبت معه بالأمس؟»
قلت: «لا أظن أنني أحقق شبهه، فلماذا تسأل عنه؟ هل فقدت شيئا عنده؟»
قال ضاحكا: «كلا ولكنه هو الذي فقد!»
فلم أفهم ما يقوله وسألته: «وماذا فقد؟»
قال: «فقدني أنا ...» وقص علي تفصيل تلك القصة التي أجملتها هنا بعض الإجمال! •••
انقضى أربه من المعاكسة، وجاء دور الرحمة بذلك المسكين، فإذا هو مهموم بالبحث عنه لإعطائه أجره الذي خيل إليه أنه قد ضاع بغير أمل، فقلت له: إن حوذيا بهذه الصفة لا بد أن يكون معروفا بين زملائه في موقفه وغير موقفه، فهلم إلى الموقف نبحث عنه هناك!
ولم يخطئ ظننا في جدوى البحث هناك؛ لأن القصة كانت حديث زملائه جميعا، وإن لم يكن هو في الموقف تلك اللحظة، فأخبرناهم أين يجدنا إذا عاد، ولم نلبث طويلا حتى أقبل الرجل يهرول، وهو لا يصدق أن زملاءه قد صدقوه الخبر، فلما رأى صاحبه بالأمس أقبل عليه متهللا، وتناول منه ضعف أجره الذي كان يطمع فيه ...!
وانصرف وهو يدعو له ويقسم نادما: «لا عدت إلى الغناء أبدا وأنا مركب» ...
وإلا «فعلى روحي أنا الجاني!»
قال الصديق العزيز: «بل تغني ما شئت، ولكن تعطي وجهك للسميع!» ... هذه هي «المعاكسة البريئة» التي لزمت صديقنا على صور شتى من صباه إلى أخريات أيامه، وتزداد بها الفجيعة أن نذكرها، فنذكر أي نفس طفلة - أي طفولة من طفولة العبقرية الخالدة - قد عاجلها الحمام.
Неизвестная страница