73

لست من القراء المغرمين بروايات الهرب والمطاردة، ولكنني أصبحت بطلا من أبطالها على الرغم مني بحكم الضرورة التي لا حيلة فيها ... فوصلت إلى القاهرة قبل أن يعود منها جواب «السلطة» على تقرير المفتش والمدير، وكأنني كتبت بيدي قرار الفصل عقابا لهما واحدا بعد واحد، وبينهما فترة أسابيع.

أرسلت ملابسي من المنزل في مقطف عليه قمح يغطيه، وذهب به حامله إلى بيت في شارع مجاور لنا نقلوا فيه الملابس إلى حقيبة صغيرة، وسافر بها بعض أقاربنا بتذكرة من أسوان إلى القاهرة، وتواعدنا أن ألقاه بالقطار في محطة «الخطارة»، ويعود هو إلى أسوان على المطية التي وصلت بها من أسوان إلى الخطارة ...

وأعددنا عند ظاهر البلدة مطيتين يقودهما من نثق به من الجيران، وبقيت مهمة الخروج من المنزل في الصباح على الرغم من الحارس الرقيب ... وليس أيسر من ذلك إذا تزحزح الحارس من مكانه إلى منعطف الطريق هنيهة قصيرة نخرج فيها، ونتوارى على الأثر في منعطف الطريق المقابل، من ناحية الفضاء، حيث تنتظرنا المطيتان ...

ولم يعسر علينا أن نزحزح الحارس عن مكانه خلال تلك الهنيهة القصيرة، فقد كان من ذوينا فتى نستعيذ بالله من ثورات غضبه، ومن خفته إلى الشجار والخناق، فرجوناه في ذلك اليوم أن يغضب، وأن يبالغ في الغضب وأن يفارق المنزل بعد الفجر كأنه ذاهب للصلاة، فيشتبك في خناقة حامية مع أول عابر من طلاب الصلاة مثله، أو من المبكرين إلى الأعمال.

وقام صاحبنا بالواجب على ما يرام، وعاد الحارس إلى باب البيت، ونحن على المطايا متلفعين متنكرين لا يعرفنا من يرانا، ولو كان من معارفنا.

أكبر مقلب للمدير

وكنت بعد ذلك بيوم في ديوان الداخلية أزور صديقنا الوزير الأديب جعفر والي «باشا» وكيل الوزارة، ثم تتابعت الأيام والتقارير السرية تصل من أسوان بتفصيلات المؤامرات التي أدبرها، والأحاديث التي أذيعها والأقاويل التي أثير بها الخواطر أستحق من أجلها التعجيل بالاعتقال والنفي من الديار ...

أنا في القاهرة يصطحبني وكيل الداخلية كل يوم إلى مكتب المستشار، ويشهده على مقامي بعيدا من أسوان بأكثر من ستمائة ميل، وأنا في الوقت نفسه بأسوان يراني المفتش والمدير أثير الخواطر، وأدبر المؤامرات ...

والنتيجة معروفة ...

في هذه المرة يخرج المدير من البلدة ويتلوه المفتش، ويصدر الأمر بإحالة المدير إلى المعاش قبل موعد الحركة الإدارية، وأعرف اسم المدير الذي خلفه، فأبادر إلى إبلاغ الخبر لأصدقائنا في أسوان بهذه البرقية:

Неизвестная страница