61

وكان المحتلون يحاربون السيطرة الخديوية على الأوقاف كما يحاربونها في كل جهة أخرى ... ويريدون في حربهم لهذه السيطرة في ديوان الأوقاف - بصفة خاصة - أن يحولوا بين الخديو وبين استخدام أموال الأوقاف في حماية سلطانه ونشر دعوته، سواء كانت مما يخصه ويخص العرش، أو كانت مما يعم الحركة الوطنية لمقاومة الاحتلال ...

وكان طلاب الإصلاح في حرج شديد؛ لأنهم يريدون أن يقطعوا دابر الفساد في الديوان وما يتصل به من المعاهد الدينية، ولكنهم يكرهون أن يتوسلوا إلى ذلك بمعونة المحتلين ...

ثم حدثت في السنة الأخيرة التي عملت فيها بالديوان حوادث مختلفة بين القاهرة والآستانة غيرت وجوه المسألة، ويسرت ما لم يكن ميسورا قبل ذلك بسنة واحدة ...

الخديو بين نارين

نشأت الجمعية التشريعية بمصر فوجد طلاب الإصلاح منبرا «قوميا» ينادون من فوقه بوجوب الإشراف على ميزانية الدولة كلها، ومنها ميزانية الأوقاف ...

وتولى الحكم في الآستانة أناس يكرهون الخديو؛ لأنهم أصدقاء أسرة حليم المنافسة لأسرة إسماعيل؛ لأنهم يذكرون للخديو مصادرته لجماعة تركيا الفتاة تمهيدا للمطالبة بجزيرة «طشيوز»، التي كانت في حوزة محمد علي الكبير، ثم استولى عليها السلطان عبد الحميد الثاني مدعيا أنها كانت هبة شخصية لرأس الأسرة، ولم تكن من أملاكه التي تنتقل بالميراث ...

واستطاع المحتلون في ذلك العهد أن يكسبوا لهم عضدا قويا بدار الخلافة، وأن يحصلوا على وعد من أقطاب الحكومة التركية بمساعدتهم على تقييد سيطرة الخديو في الديوان، ولو اقتضى الأمر خلعه وإسناد الإمارة إلى أمير في بيت حليم ...

وتم أخيرا تحويل الأوقاف من ديوان إلى نظارة أو وزارة، وكان اسم الوزارات يومئذ - وهو النظارات - مما يسوغ إدماج الأوقاف في عدادها، لاشتهار الإشراف على الوقف باسم النظارة ...

أول وزير

واختير للنظارة رجل من أنصار الخديو ترضية له وتغطية لخذلانه، فكان ناظرها الأول في عهدها الجديد «أحمد حشمت باشا» - رحمه الله ... وقد كان قبل دخوله الوزارة وكيلا لحزب القصر بين الأحزاب الثلاثة، وهو حزب الإصلاح على المبادئ الدستورية ...

Неизвестная страница