بارك الله في مصطلحات السياسة، وفوارق الأشكال والعناوين في العلاقات الدولية.
فما زلت من ذلك الحين أومن بأنها شيء صحيح ملموس الأثر، وليست حروفا على الورق، ولا ألفاظا تطير مع الهواء.
فالبلاد المصرية كانت - في الواقع - تابعة للدولة البريطانية في سياستها الخارجية وحكومتها الداخلية ...
ولكنها لم تكن كذلك في مصطلحات السياسة، ولا في أشكال العناوين.
ولهذا استطعت أن أشتري كتابا يباع في إنجلترا بثلاثة جنيهات، ولا أبذل فيه أكثر من أربعين قرشا في مكتبات القاهرة؛ لأنه صادر من مطبعة ألمانية حصلت على حقوق طبع الكتب وبيعها في كل مكان غير «الأملاك البريطانية».
ولم تكن مصر قط من الأملاك البريطانية بحكم القانون، فليس في العرف الدولي ما يمنع المطبعة الألمانية أن ترسل إلى مصر جميع مطبوعاتها؛ لتبيع الكتاب منها بمارك واحد، أو بشلن واحد على وجه التقريب ... فاستغنينا بهذه الطبعة زمنا عن الكتب الإنجليزية في طبعاتها الغالية، وهانت مشكلة الكتاب بعد مشكلة الغذاء.
ولم تبق إلا مشكلة الكساء!
وقد كانت حقا مشكلة المشاكل لا مراء!
لأنها تحتاج إلى مبلغ متجمع لا يوجد في اليد ساعة الطلب، ولا تحلها عندي حيلة التقسيط؛ لأنه - على ندرته في ذلك الحين - لم يكن مريحا لمن يبيع الكساء ولا لمن يلبس الكساء.
ومرة واحدة حللت هذه المشكلة بشراء بذلتين قديمتين، ولكن الجوار الصالح هداني إلى حيلة أصلح من هذه الحيلة لتدبير هذه المشكلة، وهي درس خصوصي لتاجر أقمشة يتولى تفصيل القماش وتسليمه كسوة كاملة، ويوفيني الأجر - بذلك - كسوة كل ثلاثة أشهر ... ولم تزد مدة التعليم كله على كسوتين، لنشاط التلميذ أو لبراعة الأستاذ، أو لرغبة الفريقين معا في «فسخ» العقد بسلام!
Неизвестная страница