الصلاة على النبي
أما الذين لجئوا إلى العنت فقد ظهروا قبل أن تظهر طبعة الكتاب الأولى، وقبل أن يجمع هذا البحث في كتاب، وأشد ما استطاعوا أن يأخذوه علي أنني جعلت عنوان بحثي «حياة محمد» من غير أن أردف هذا العنوان بالصلاة والسلام على رسول الله، وإن ذكرتها غير مرة في غضون البحث. وكنت أحسبهم يرجعون عن عنتهم بعد أن زينت عنوان الطبعة الأولى بالآية الكريمة:
إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما
2
وبعد أن تناول الكتاب السيرة على الطريقة التي تناولها بها. لكنهم أصروا على ملاحظتهم، فدلوا بذلك على تعنتهم وعلى جهلهم مع ذلك بحقائق الإسلام اكتفاء منهم باتباع ما وجدوا عليه آباءهم.
ونبدأ بدفع هذه الملاحظة الخاطئة آملين ألا يعود أصحابها وألا يعود غيرهم إلى إبدائها على أي كتاب يظهر، وإنما ندفعها بالرجوع إلى كتب الأئمة من علماء المسلمين حتى يعرف الناس جميعا سمو الإسلام فوق القيود اللفظية ويقدروا قيمة الحديث: «إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق، فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى.» فقد ذكر أبو البقاء في «كلياته» أن «كتابة الصلاة في أوائل الكتب قد حدثت في أثناء الدولة العباسية، ولهذا وقع كتاب البخاري وغيرها عاريا عنها.» وكثرة الأئمة على أن الصلاة على النبي يكفي أن يذكرها المرء مرة واحدة في حياته. قال ابن نجيم في «البحر الرائق»: «وأما موجب الأمر في قوله تعالى:
صلوا عليه
فهو افتراضها في العمر مرة واحدة في الصلاة أو خارجها؛ لأن الأمر لا يقتضي التكرار، وهذا بلا خلاف. والخلاف بين الشافعي وغيره على وجوب الصلاة على النبي أثناء الصلاة لا خارجها. والصلاة هي الدعاء: ومعناها في الآية أن يترحم الله على النبي ويسلم.» هذا ما أورده علماء المسلمين وأئمتهم في هذا الموضوع. وهو يدل على إسراف الذين يزعمون وجوب الصلاة على النبي كلما ذكر اسمه وكلما كتب، وعلى خطئهم خطأ ما كانوا يقعون فيه إذا عرفوا ما قدمنا وأن كبار المحدثين لم يكونوا يكتبون الصلاة في أوائل الكتب.
دفع المطاعن وطريقته
أما الذين قالوا بأن مقام النبي الكريم يوجب عدم ذكر مطاعن المستشرقين والمبشرين عليه مقدمة للرد عليها، فلا سند لهم في قولهم هذا إلا عاطفة إسلامية يحمدون عليها؛ أما من الناحيتين العلمية والدينية فلا سند لهم، والقرآن الكريم يذكر ما كان يقول المشركون عن النبي ويدفعه بالحجة البالغة. هذا، وأدب القرآن أقوم أدب وأسماه؛ فهو يذكر اتهام قريش محمدا بالسحر والجنون، وهو يقول:
Неизвестная страница