Жизнь Христа: в истории и открытиях нового времени
حياة المسيح: في التاريخ وكشوف العصر الحديث
Жанры
وطبيعي جدا أن يتكلم السيد المسيح عن ملكوت السماوات بهذا المعنى، وأن يرجع السامعون إلى تلك النبوءات، ولا موضع للاستغراب في هذا الصدد، بل الغريب أن يخلو كلام السيد من هذا النذير، سواء ظهر في ذلك الوقت، أو ظهر بعده في زمن تتطلع فيه الأنظار إلى النهاية، وإلى تحقيق النذر، والبشائر، والعلامات.
فإذا أدخلنا هذا الملكوت بهذا المعنى في تقديرنا، فليكن في الحساب أنه باب من أبواب اللبس بينه وبين الملكوت بمعانيه الأخرى، ولا سيما الملكوت الذي تقوم عليه رسالة السيد المسيح خاصة، كما هو الواقع في جميع الرسالات.
ففي رسالات الأنبياء الداعين إلى العالم الآخر جميعا ملكوت رضوان يتحقق في السماء، وملكوت يعمل له الناس في هذه الحياة، أو رسالة يستمعون لها في هذا العالم، فيستحقون بها الملكوت في العالم الآخر.
هذا الملكوت أيضا - ملكوت الرسالة المسيحية، أو ملكوت ابن الإنسان - يقع في البال حتما أن السيد المسيح قد تكلم عنه، ووصف لأتباعه مطالبه ووصاياه.
ولا بد من لبس هنا مع اللبس الذي يحدث من توجيه المعنى حينا إلى ملكوت القيامة، وتوجيهه حينا إلى الملكوت قبل يوم القيامة.
أما اللبس في فهم الملكوت الذي يدور على الرسالة المسيحية - أو رسالة ابن الإنسان - فمرجعه من جهة إلى تطور الدعوة على حسب قبول المستمعين لها، فالملكوت في الدعوة التي يخص بها الإسرائيليون غير الملكوت في الدعوة التي لا يخصون بها، بل لعلهم يطردون منها، وتعم الأمم أجمعين.
ومرجع اللبس من جهة أخرى إلى سمو الرسالة على مدارك السامعين، ولا مناص من هذا اللبس إذا دعي السامعون إلى رسالة أسمى جدا مما ترقبوه وتطلعوا أن يفهموه.
ولا نرى أن المسافة الشاسعة بين نفس السيد المسيح، وبين نفوس التلاميذ والأتباع، قد برزت في موضع من المواضع بروزها في الأسئلة التي توالت منهم عليه، وفي الحيرة التي دلت عليها هذه الأسئلة، حتى نيقوديموس عضو المجمع الأعلى لم يفهم معنى الملكوت الذي يستدعي من الإنسان أن يولد ولادة ثانية، ويدخل إليه إنسانا جديدا كما يدخل الطفل الوليد إلى هذا العالم، وحتى بعد بلوغ الدعوة ختامها، ظل التلاميذ يحسبون أن الملكوت يأتي بدولة بني إسرائيل: «فسألوه قائلين: يا رب! هل في هذا الوقت ترد الملك إلى إسرائيل؟ فقال لهم: ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التي أودعها الأب سلطانه، لكنكم ستنالون قوة متى حل عليكم الروح القدس، وستكونون شهداء لي في أورشليم، وفي اليهودية جميعا، وفي السامرة، وإلى أقصى المسكونة.»
ونعود فنقول إن اللبس طبيعي جدا في هذا الموقف بين مقصد المتكلم، ومدارك السامعين، وإن هذا التفاوت البعيد هو الذي يؤدي بنا إلى فهم الملكوت كما أراده السيد المسيح؛ لأنه ملكوت لم يكن في طاقة التلاميذ أن يخلقوه ويصوروه، وكل ما في استطاعتهم أن يذكروا له أوصافا متفرقة سمعوها فسجلوها والتقطوها كما يلتقط السامع ألفاظا من لغة لا يفهمها، فإذا أمكننا بعد ذلك أن نخرج تلك الألفاظ مفردات متناسقة مفهومة على صورة واحدة، فتلك هي الآية على صحة تلك الصورة، وإنها هي الوصف المقصود.
والأناجيل قد ذكرت وصفا متناسقا للملكوت في مواضع شتى: ذكرت مملكة ليست من هذا العالم، وذكرت مملكة قائمة في ضمير الإنسان في كل زمان، إذا ربحها فهو الغانم، وإذا خسرها فالعالم كله لا يجديه، وذكرت مملكة لا يدخلها الإنسان إلا بنفس طاهرة صافية كنفس الطفل البريء، وذكرت مملكة لا يفتحها السيف؛ لأنه ما بالسيف يؤخذ فبالسيف يضيع. «ولما سأله الفريسيون متى يأتي ملكوت الله؟ أجابهم: إنه لا يأتي بمراقبة، ولا يقول قائل هو ذا ها هنا، وهو ذا هناك؛ لأنه هو الآن في داخلكم» (17 لوقا).
Неизвестная страница