ولم تثر حفائظ نفوسهم هذه الأوامر المشددة ، ولم يرهف عزيمتهم هذا الاهتمام البالغ من النبي صلى الله عليه وآلهوسلم وهو في ساعاته الأخيرة فقد تثاقلوا عن الخروج ، وتخلفوا عن الجيش ، واعتذروا للرسول صلى الله عليه وآلهوسلم بشتى المعاذير وهو بأبي وأمي لم يمنحهم العذر ، وأظهر لهم الغيظ والسخط ، والمتأمل في هذا الحادث الخطير يستنتج ما يلي :
1 إن اهتمام النبي صلى الله عليه وآلهوسلم بشأن اخراج القوم من يثرب ولعنه لمن تخلف من الالتحاق بجيش اسامة يدل بوضوح لاخفاء فيه على غايته المنشودة وهي اخلاء عاصمته من الحزب المعارض لامير المؤمنين عليه السلام ليصفو له الأمر بسهولة ، وتتم له الخلافة بهدوء وسلام.
2 ان تخلف القوم عن الجيش وطعنهم في تأمير اسامة ما كان المقصود منه الا الظفر بالسلطة والحكم ، واحكام قواعد سياستهم فانهم اذا انصرفوا الى الغزو ونزحوا عن عاصمة الرسول صلى الله عليه وآلهوسلم فان الخلافة لا محالة تفوت من أيديهم ، ولا مجال لهم حينئذ الى التمرد والخلاف.
3 ان السبب في عدم تولية الرسول صلى الله عليه وآلهوسلم قيادة الجيش لذوي السن والموجهين من الصحابة انما هو للاحتياط على مستقبل الأمة ، وصيانتها من الاضطراب والفتن من بعده ، فانه لو اسند القيادة إليهم لاتخذوها وسيلة الى أحقيتهم بالخلافة ومطالبتهم بالحكم فسد صلى الله عليه وآلهوسلم عليهم هذه النافذة لئلا يتصدع شمل الامة ، ويضطرب أمنها.
وأما الحكمة من تأميره صلى الله عليه وآلهوسلم لأسامة وهو حدث السن فقد كان عمره آنذاك سبعة عشر عاما او يزيد عليها بيسير فهي ما يلي :
( أ) سد جميع نوافذ الخلاف والطعن في خلافة امير المؤمنين عليه
Страница 107