Жизнь мысли в новом мире
حياة الفكر في العالم الجديد
Жанры
7
ومن الإيمان باطراد النظام في الطبيعة يستنتج قانون الأخلاق، فلو كانت الطبيعة مسيرة وفق طائفة من القوانين استنها لها الله الذي يريد بخلقه خيرا، ثم لما كان الإنسان جزءا من الخلق من جهة، وشبيها بالخالق من جهة أخرى، لزم أن يكون الإنسان في حالة كماله مسيرا بقوانين أخلاقية تسير به نحو خيره، فكما أن للطبيعة قوانينها، فكذلك للإنسان قانونه، وقانونه هو قانون الأخلاق، والعقل في كلتا الحالتين هو كاشف الغطاء عن تلك القوانين التي ليست من خلقه، وإن تكن من كشفه، فإذا أردت أن تعرف كيف ينبغي للإنسان أن يسلك وأن يفكر في السياسة وفي الاقتصاد وفي العبادات، وفي كل جانب من جوانب الحياة، فعليك بالعقل يكشف لك عما يحقق الاطراد والاتساق والنظام، ولا تركن في ذلك إلى حكم تحكم به الحكومة، أو فتوى يفتي بها رجال الدين.
وإذا عبرنا عن هذا المعنى نفسه بعبارة أخرى، قلنا إن العلم بالإنسان وحقيقته يقتضي دراسته وهو على طبيعته قبل أن تفسده أنظمة الحكومة ومؤسسات اللاهوت، إن بعض المؤرخين - مثل «إدمند بيرك» الذي كان «بين» يعنيه في هذا السياق - حين أرادوا الدفاع عن حقوق الإنسان، التمسوا أسانيدهم من التاريخ القديم، لكن البدء بأي فترة من فترات التاريخ القديم هو اختيار جزاف، فلماذا لا تتعقب الإنسان إلى أصوله الأولى، إلى حالته الطبيعية قبل أن ينشأ له مجتمع، وقبل أن يتكون له تاريخ؟ لماذا لا ندفع نقطة الابتداء إلى حيث كان الإنسان لا يتميز إلا بقلب واحد، هو أنه «إنسان» فلا حاكم ولا محكوم، ولا أباطرة ولا ملوك، ولا سادة ومسودين؟
8
فإذا وصلنا إلى الحالة الطبيعية ألفينا الإنسان وحقوقه قد خلقا معا، ها هنا نصل إلى الأصل الإلهي لحقوق الإنسان ساعة خلقه، ساعة أن خرج من يدي خالقه ذا حقوق متساوية ليس لفرد امتياز على فرد آخر، إن الحقوق الطبيعية للطفل يوم ولادته هي نفسها الحقوق التي كانت لأول إنسان شهد الوجود، الناس كما خلقهم الله لا يتميز بعضهم من بعض إلا بأن منهم الذكور ومنهم الإناث، فالمساواة بين الأفراد هي أقدم رأي سياسي وليست هي بالرأي الحديث، إذن فمثل هذه الحقوق الطبيعية الأولية هي لكل إنسان لمجرد كونه إنسانا ذا وجود على وجه الأرض، ومن الحقوق الطبيعية ما يستطيع الإنسان أن يحافظ عليه بنفسه كحقه في حرية الفكر مثلا، لكن منها كذلك ما لا يستطيع وهو منفرد أن يحافظ عليه، كالأمن وصيانة الأملاك، ومن أجل هذه تعاقد بإرادته راضيا أن يكون عضوا في مجتمع، ورضي أن يستبدل حقا بحق، فبدل الحق الطبيعي الذي تنازل عنه اكتسب حقا مدنيا يقوم مقامه، وهكذا تكون الحقوق المدنية حقوقا طبيعية تم استبدالها، وما السلطة المدنية إلا مجموعة الحقوق التي تنازلت عنها مجموعة الأفراد الذين هم أعضاء مجتمع واحد.
9
وذهب «بين» إلى ما ذهب إليه «جفرسن» بأن الجيل الحاضر لا يرتبط بسابق الأجيال، بل هو حر في ما يختاره لنفسه، نعم إن القوانين التي يشرعها أحد الأجيال قد يجوز للأجيال التالية أن تستبقيها، على ألا يكون معنى ذلك استحالة تغييرها، وغاية ما في الأمر أنها تستبقيها؛ لأنها لا تريد أن تشرع قوانين أخرى تحل محلها، وعندئذ تكون بمثابة القوانين التي تستنها لنفسها، فإذا قلنا عن قانون باق لدينا من جيل سابق أنه لا يزال نافذ المفعول، كان معنى ذلك أن هنالك موافقة ضمنية من الجيل القائم على بقائه، فكما أن لكل طفل يولد نفس الحقوق التي كانت لأول طفل شهد الوجود، فكذلك لكل جيل يأتي نفس الحقوق التي كانت لأي جيل مضى، غير أن عدم ارتباطنا بقوانين أسلافنا لا ينفي أن يكون علينا واجب نحو من سيأتي بعدنا، فتقرير حق يتضمن في الوقت نفسه فرض واجب يقابله؛ لأن كل حق لي باعتباري إنسانا هو كذلك حق لسواي، وبذلك يصبح واجبا علي أن أصونه لغير صيانته لنفسي، فهذا الواجب هو إلزام ملزم للناس على تعاقب العصور.
وكذلك يأخذ «بين» بما أخذ به «جفرسن» من أن مساواة الناس في حقوقهم لا تعني أنهم متساوون في مواهبهم، بل إن هذه المواهب لتتفاوت، ويتبع التفاوت توزيع بين أفراد المجتمع، بمعنى أن تجد في كل مجتمع ما يلزمه من مواهب متفرقة بين أفراده، لكنها تغير من مواضعها بحيث تظهر في هذه الأسرة مرة، وفي تلك الأسرة مرة؛ إذ المواهب لا تورث؛ وبالتالي لا تستقر في أسرة واحدة على مدى الزمن، ومن يزعم التوارث للمواهب الفطرية فإنما يضعف الأساس الإنساني الذي تقوم عليه الديمقراطية؛ لأنه بذلك يلتمس مبررا يبرر الأرستقراطية، والتاريخ شاهد على أن القدرة العقلية لا ضابط لمكان ظهورها، حتى ليرجح أن يكون النبوغ العقلي قد طاف بكل أسرة على ظهر الأرض، وعلى هذا النظام الطبيعي في دوران الموهبة على مختلف الناس، ينبغي أن يدور الحكم إلى حيث تظهر الموهبة بغض النظر عن أي عامل آخر، وهذا كاف وحده برهانا على ألا يتوارث الحكم أسرة واحدة.
10
ومن تطبيقات «تومس بين» العجيبة لمبدأ المساواة في الحقوق الطبيعية ما سماه بمبدأ العدالة الزراعية، ومؤداه أن مالك الأرض لا حق له في توريث أرضه لأبنائه من بعده؛ لأن الله قد خلق الأرض للناس جميعا يتوارثونها جيلا عن جيل، ففي الحالة الطبيعية لم يكن يملك الأرض مالك فرد، بل هي ملك للجماعة كلها، وفي مثل هذه الحالة لا يكون فقر مدقع لأي إنسان، لكنها كذلك لا تعين على إنتاج من علم أو فن،
Неизвестная страница