Жизнь мысли в новом мире
حياة الفكر في العالم الجديد
Жанры
ومنها يستطرد إلى عرض مذهبه الواقعي الجديد، وما مشكلة المعرفة - في رأيه - إلا تحديد «العلاقة بين عقل ما وبين ذلك الذي يتصل بذلك العقل على أنه موضوع معرفته»؛
13
فأول ما نلاحظه بين طرفي العلاقة - أي بين العقل العارف من ناحية والشيء المعروف من ناحية أخرى، بين العقل والشيء المتصل بالعقل - هو أن «العقل» عامل في كل منهما، وإذن فخير سبيل نسلكه في تحليل الموقف الذي نحن بصدد تحليله، هو أن نبدأ بمعرفة ماذا عسى أن يكون المقصود بهذا العامل - الذي هو العقل - المشترك بين الطرفين المرتبطين أحدهما بالآخر في حالة المعرفة؛ لأننا لو حددنا المعنى المقصود «بالعقل»، ثم طرحنا هذا المعنى من الطرفين، تبقى لدينا الطرف الخارجي - طرف الشيء المعروف - مطروحا منه عامل العقل، فيكون لدينا بذلك حقيقة الشيء الخارجي مستقلا عن علاقة العقل به أثناء عملية الإدراك.
ولمعرفة «العقل» طريقتان تقليديتان، كان يلجأ الباحث إلى إحداهما أو إلى كلتيهما حسب وجهة نظره، فإما أن تستبطن نفسك وتلاحظها من داخل لترى ماذا هناك مما نسميه عقلا - وعندئذ تكون الملاحظة ذاتية خاصة مقصورة على صاحبها وحده - وإما أن تنظر إلى الطبيعة أو إلى الناس من خارج كيف يسلكون فرادى أو مجتمعين، فإذا ما شاهدنا الطبيعة كيف يطرد سيرها، والناس كيف يتصرفون على نمط معين هو الذي نسميه تصرفا عاقلا، كان لنا بذلك معنى «للعقل» كما يشاهد من الخارج الظاهر، وعندئذ تكون المشاهدة موضوعية عامة يشترك فيها كل من أراد، وواضح أن هاتين الطريقتين في البحث عن «العقل» لا تؤديان إلى نتيجة واحدة في كلتا الحالتين؛ لأن ما يمكن مشاهدته في الداخل بالتأمل الباطني شيء يختلف كل الاختلاف عما يمكن مشاهدته في الخارج بالملاحظة الخارجية، حتى لترى من المفكرين من ينكر على هذه المشاهدات الخارجية الظاهرة في حركات الطبيعة وسلوك الإنسان، أن تكون هي نفسها «العقل»، بل هي «ظواهر» تدل على عقل كامن في الباطن، وهو الذي يعبر عن نفسه بهذه «الظواهر» والرأي الذي يتقدم به «بري» في هذا هو اعتبار الجانبين معا، وفي وقت واحد، «عقلا» وعندئذ يكون العقل ذا جانبين، تنظر إليه من جانبه الباطن، فإذا هو هذا الذي تدركه في نفسك وأنت تتأملها، وتنظر إليه من جانبه الظاهر فإذا هو هذا السلوك الذي نراه، شأنه في ذلك شأن الدرع المحدب من جانب والمقعر من جانب آخر، دون أن يكون معنى اختلاف الجانبين أن الدرع درعان، إنما هو درع واحد ذو مظهرين، وإذن فلا الذي نلاحظه في بواطن أنفسنا إذ نحن نفكر هو العقل كله، ولا الذي نلاحظه خارج أنفسنا من نتيجة التفكير هو العقل كله، بل العقل هو هذا وذاك معا، وتستطيع بادئا من أحد الطرفين أن تستدل الآخر، فمن مكنون العقل تعرف ما السلوك الذي ينتج، ومن الناتج السلوكي تعرف ماذا كان في مكنون العقل من مضمون، وليس الطرفان بمختلف أحدهما عن الآخر من حيث العنصرية كما كان الظن قديما، بل ما في الداخل وما في الخارج يتألفان من عناصر بعينها، اختلف ترتيبها في كلتا الحالتين، كانت مرتبة على نحو فكانت عقلا من الداخل، ثم كانت مرتبة على نحو آخر، فكانت عقلا من الخارج، وأما عناصر التكوين نفسها فمحايدة، لا هي عقلية خالصة ولا طبيعية خالصة.
14
ولما كان الناس على اختلاف فيما بينهم من حيث اهتمامهم كان كل منهم مسوقا بميله الخاص إلى ناحية معينة من بيئته، فترى أحدهم مشغوفا بما لا يطرأ على زميله ببال، وفي مقدور الباحث دائما أن يلاحظ إلى أي ناحية من البيئة يتجه فرد معين باهتماماته ورغباته، ومنها يسير مستدلا ماذا يكون في باطن نفسه من تفكير، على أنه مهما اختلف الناس في ألوان نشاطهم الفكري، فهم على كل حال أفراد من نوع واحد هو النوع البشري، والنوع البشري - كسائر أنواع الأحياء الأخرى - تريد له الحياة أن يبقى؛ ولذلك زودته بما يعينه على البقاء، فهذه الاهتمامات المختلفة والرغبات المتباينة عند الأفراد، إنما تلتقي جميعا في أرومة واحدة، هي حفظ بقاء النوع، ثم تتفرع فروعا يقابل كل منها طبيعة في الفرد الواحد أن يحفظ ذاته وبقاءه، أريد أن أقول إن كل فرد من الناس - بما يبديه من أوجه النشاط - يستهدف غرضين في آن واحد؛ حفظ بقائه هو، وحفظ بقاء النوع الذي هو أحد أفراده، فلو جمعت هذه الرغبات إلى الوسائل التي تتخذ لتحقيقها كان لك بذلك ما نسميه «عقلا»، فعقل الفرد الواحد هو ميوله ورغباته واهتماماته - وكلها في النهاية يرمي إلى حفظ بقائه وبقاء نوعه - مضافا إليها الوسائل التي تحققها، ولما كان محالا أن تفصل بين النشاط العقلي وبين الشيء الذي هو موضوع ذلك النشاط، كان ذلك الشيء جزءا من العقل حين يكون موضوعا لنشاط العقل - وعندئذ يكون «فكرة » - لكن هذا الشيء نفسه لا تستنفد وجوده هذه العلاقة وحدها؛ إذ قد يكون بينه وبين شيء آخر علاقة أخرى، وإذن فلا بد من الاعتراف له بوجود مستقل عن كونه موضوعا لمعرفة عقلية في لحظة معينة، وبعبارة أخرى فإن الشيء الواحد المعين قد يكون «فكرة» آنا، وشيئا ماديا آنا آخر، بل هو في اللحظة الواحدة المعينة قد يكون «فكرة» بالنسبة إلى العقل الذي يدركه، و«شيئا» بالنسبة إلى أشياء أخرى بينه وبينها ضروب أخرى من العلاقات.
على هذا الاعتبار تكون «المعرفة» علاقة قائمة بين العقل والشيء، وذلك هو نفسه الأساس الذي يقيم عليه «بري» نظريته في القيم
15 - القيم الخلقية والجمالية - فقيمة الشيء هي في علاقته بفرد معين، وقوامها قدرة الشيء على حفز الإنسان على نحو ما، وقد تكون القيمة موجبة أو سالبة؛ فهي موجبة لو كان للشيء قدرة جاذبة، وهي سالبة إذا كان فيه ما ينفر، ولا تكون الجاذبية أو النفور دائما على صورة بعينها، فللجاذبية صور مختلفات وكذلك للنفور، على أن المجموعة الأولى تتفق في عنصر مشترك، وكذلك المجموعة الثانية، وإذن فلا يكمل وجود «القيمة» إلا بوجود الطرفين معا: الشيء والشخص، أي إن القيمة لا تكون في الشيء وحده دون وجود الشخص الذي ينجذب إليه أو ينفر منه، وكذلك لا تكون القيمة في الذات وحدها دون وجود الشيء الذي يجذب أو ينفر، على أن موضوعية القيمة وواقعيتها تزداد حين نعلم أنه ليس حتما على الشخص المعين أن يكون هو نفسه المنجذب إلى الشيء أو النافر منه؛ لكي يحكم لذلك الشيء بقيمته، بل حسبه أن يعلم أن للشيء ذلك الأثر في غيره من الناس، وذلك كما تحكم على الرصاصة بأنها قاتلة دون أن تكون أنت قتيلها، وهكذا يجعل «بري» من القيمة وإدراكها في الأشياء، ضربا من «المعرفة» كسائر ضروبها، فيجعل لها جانبها الذاتي وجانبها الموضوعي بنفس المقدار الذي يجعله لهذين الجانبين في حالات «المعرفة»، فأنا «أعرف» أن للشيء الفلاني قيمة جمالية - مثلا - سواء جاءت هذه المعرفة عن طريق اتصال الشيء بذاتي ، أو اتصاله بشخص آخر، وهكذا يصبح في مقدورنا أن نعلم أن لشيء ما قيمة معينة بمجرد ملاحظة سلوك الآخرين إزاءه، أي قبل أن نمارس نحن أنفسنا قيمته بالنسبة إلى ذواتنا، فمقياس «القيم» - إذن - عام وواقعي، وليس هو بالذاتي الخاص. (2) الواقعية النقدية
16
بنفس الروح العلمية التي اجتمع بها الواقعيون الجدد، والتي تتلخص في تعاونهم على موضوع البحث كما يتعاون العلماء في المعمل إزاء مشكلة واحدة، بدل أن ينفرد كل منهم ببنائه الفلسفي الخاص، وفي أن يتناولوا المشكلات الجزئية واحدة بعد واحدة، دون أن يشطح بهم الطموح الواهم - كما شطح بالفلاسفة الأقدمين - إلى تناول الكون كله دفعة واحدة موضوعا لبحثهم، كأنما ذلك في حدود المستطاع، أقول: إنه بنفس هذه الروح العلمية التي اجتمع بها أنصار الواقعية الجديدة، اجتمعت جماعة أخرى من الواقعيين الذين رأوا في عمل زملائهم شيئا من السذاجة في التحليل، حتى لقد نعتوهم بهذه الصفة - صفة السذاجة - فذهبت في الكتابات الفلسفية مميزا لهذا النوع من الواقعية التي لا تمعن في النقد والتمحيص إذا ما تعرضت لتحليل «المعرفة»، وأما هذه الجماعة الجديدة فقد وصفت نفسها بأنها «نقدية» أي إنها أكثر دقة في عملية التحليل.
Неизвестная страница