وحينئذ شرقت بدموعي واسترسلت في نحيبي، فلم يتمالك ذلك المحامي أن يغرورق بالدمع أيضا.
لو كنت معي حينئذ يا موريس لوثبت من مكانك كالأسد الهائج، وأسرعت إلى ذلك الغادر، وأنشبت أظفارك في عنقه؛ لأني أعلم أنك وحدك تنصفني، على أن المحامي رثى لي قائلا: ليس لك يا سيدتي إلا محكمة العدل الإلهي، فلا بد أن تنتقم لك من ذلك الغادر وتعاقبه شر عقاب.
فقلت: أليست المحاكم الأدبية والمدنية تمثل محكمة الله على الأرض، وشرائعها مستمدة من شرائعه تعالى؟ - كذا يدعي المشترعون، ولكن الحقيقة أن تلك الشرائع الأدبية والمدنية، وضعها الأقوياء مراعين فيها مصلحتهم وحدهم.
فاستشطت غيظا وزمجرت كالوحش الثائر قائلة: إذن أشقى؛ لأني ضعيفة لا لأني أثيمة، رحماك يا رباه خذ بيدي، ألا تقيم عدلك في هذا العالم الظالم! ألا تصلح هذه البشرية الفاسدة؟
موريس موريس، ألا تستطيع أن تجند من ذوي العقول الثاقبة والقلوب الصالحة جنودا يناضلون معك عن الإنسانية، ويدكون أركان تلك الشرائع الجائرة والمحاكم الظالمة، ويفسقون دعاوي الأقوياء الكاذبة؟ هؤلاء هم الفريسيون المراءون.
إني أرى هذا العالم جبلة شر، وليس فيه إلا الرذيلة مموهة بطلاء الفضيلة الكاذبة، إن لم تستطع أن تضع أساسا للفضيلة الحقيقية، وتبني عليها العدل الحقيقي، فكن بين الناس شرا منهم، واهجم على ضميرك بنبل النقمة واطعنه في قلبه طعنة قاضية؛ لأنه بقي حيا يجرك إلى الشقاء الدائم إذ لا تقدر أن تستوفي حقوقك من سواك بموجب هذه الشرائع البشرية، بل بالقوة والقساوة والطمع والغدر تستحوز على أمانيك، فلماذا تسكت عن حقك إذ كانت الشرائع لا تنصفك، والناس لا يعدلون.
أنا ضعيفة وذلك الوغد قوي، فلا الشرائع تنصفني منه ولا الناس يرثون لي، ولا حول لي ولا قوة على أخذ حقي، فماذا أفعل؟
وهت قوتي يا موريس حتى إن القلم يضطرب في يدي، إني أستسلم لحكم الهيئة الاجتماعية مكرهة؛ وألزم الفضيلة لأنها معزية لضميري وإن تكن عاجزة عن حفظ حقوقي أقضي الحياة شقية، ولكني أموت متعزية بتوبتي، هذا جل ما أستطيعه في هذا العالم المتعب.
خرجت من عند ذلك المحامي وصدري مرجل يغلي فيه الحقد على هذه النظامات البشرية الظالمة، خطر لي أن أنتحر ولكن لم يصدني عن الانتحار الخوف من الموت، بل الأمل بأن أسترد حياتي الأدبية، وأبرهن للملأ أن الزلة الواحدة لا تسقط المرأة إلى الأبد.
رجعت إلى بيتي فاستقبلتني الخادمة في الباب، وهمست في أذني قائلة: «إن سيدة هنا تنتظرك»؛ فعجبت لأني أعلم أن الناس وخصوصا السيدات يبتعدون عني ابتعادهم عن الحية الرقطاء، ويتجنبونني تجنب السليم الأجرب؛ لأني ساقطة دنسة في اعتبارهم؛ ولأنهم في الرأي العام صالحون أبرار، قضيت تلك الأشهر في منزل فلم تدخل إليه إلا واحدة من جاراتي، إذ عرفن حقيقة أمري، بل حاول صاحب المنزل أن يخرجني من قبل أن تنقضي المدة المعينة في صك الإيجار، صادفت مرة إحدى صاحباتي عابرة أمام منزلي فأغضت نظرها عني لا تريد أن تعرفني، فمن ترى تلك المرأة التي تنتظرني في بيتي؟
Неизвестная страница