وكانت ثقافته تنبسط إلى الآفاق أكثر مما تسير الأعماق؛ ولذلك نجد له الإشارات والإيضاحات عن العرب والإغريق واليهود والعلم والأدب، ولكننا نجد أنه حين يتخصص لا يتعمق.
وكتابه عن حياة المسيح الذي ترجمه فرح أنطون إلى اللغة العربية في تلخيص غير مخل، هو جوهرة من جواهر الأدب الفرنسي بل الأدب العالمي، ومع أنه قد جرد شخصيته من الغيبيات فإنه أبرز ميزاته الأخلاقية ودعوته الإنسانية، بحيث إن القارئ للكتاب سواء أكان تقليديا أم عصريا ينتهي بالحب والاحترام؛ إذ يجد في المسيح جمالا وفتنة كما يجد في دعوته تحديا لكل رجل في شرفه وأسلوب حياته . ومن هنا يعد إرنست رينان من دعاة البشرية، وهو إن لم يكن قد دعا هذه الدعوة مباشرة ومواجهة، فإنه بمؤلفاته العديدة قد دعا إليها مداورة ومواربة؛ إذ هو يجمع بين الأدباء والأنبياء والفلاسفة ويضعهم جميعا في صف لتربية الضمير البشري، فهو مسيحي مسلم يهودي بوذي، وهذا هو شأن الكثيرين من أدباء عصرنا الممتازين، بل كذلك هذا هو إيمان الساسة الممتازين أمثال غاندي ونهرو، بل ماذا أقول؟ لقد كان هذا إيمان السلطان أكبر الذي حاول أن يوجد ما أسماه «الدين الإلهي» حين عقد مؤتمرا في الهند من المسلمين والمسيحيين واليهود والهندوكيين والبوذيين، بل لقد كان هذا إيمان محيي الدين بن عربي حين قال هذه الأبيات الخالدة:
لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي
إذا لم يكن ديني إلى دينه داني
وقد صار قلبي قابلا كل صورة
فمرعى لغزلان ودير لرهبان
وبيت لأوثان وكعبة طائف
وألواح توراة ومصحف قرآن
أدين بدين الحب أنى توجهت
ركائبه فالحب ديني وإيماني
Неизвестная страница