Хашийят Талатат аль-Усуль
حاشية ثلاثة الأصول
Издатель
دار الزاحم
Номер издания
الثانية
Год публикации
١٤٢٣هـ-٢٠٠٢م
Жанры
مقدمة المصحح:
لفضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، أحمده سبحانه وأثني عليه، وأقر وأعترف أن الله هو ربي ومعبودي وأنه الإله الحق، وكل مألوه سواه باطل وضلال، وأدين له بالإذعان، وأستسلم لما أمر ودبر، وأشهد أن عبده محمدًا
مرسل من ربه ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ﷺ، وعلى آله وصحابته، ومن سار على نهجه.
وبعد:
فإن ربنا بحكمته أوجد في هذا الكون جنس الإنسان، وميَّزه بالعقل والإدراك، وأسبغ عليه نعمه
1 / 5
ظاهرةً وباطنةً، وكلفه لذلك أن يعرف ربه ومليكه معتبرا ًبما بين يديه وما خلفه من براهين ودلالات. ثم يعتقد أنه مدين له بحقوق يلزم القيام بها، ليظهر بذلك عبوديته وإذعانه لمليكه. ثم يعرف أن بيان تلك الحقوق إنما يتلقى عن الرسل الذين تتوقف نجاة العباد على اتباعهم، فيشهد أنهم بلغوا ما أُنْزِل إليهم، وأن خاتمهم وأفضلهم نبي هذه الأمة محمد ﷺ. وتعتبر هذه الأمور أساسًا وقواعد لما يلزم العباد في هذه الدار، ولأهميتها وعظم شأنها يقع السؤال عنها في البرزخ، فما كان سائرا ًعلى ضوئها في هذه الحياة ألهم في قبره جوابًا سديدًا، ﴿وَمَن كَانَ في هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ في الأَخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: ٧٢]
1 / 6
ولما كانت هذه الأمة أفضل الأمم وأزكاها عند مليكها، كان إيضاح هذا الأصول في شريعتها أتم وأوفى. ولقد اعتنى علماء هذه الشريعة بهذه القواعد الأساسية، فذكروها ضمن عقائدهم مجملة أو مفصلة. ولم يسبق أحد إلى الكتابة فيها على حدة قبل الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب -مجدد القرن الثاني عشر- أجزل الله له الأجر والثواب، وأدخله الجنة بغير حساب، فقد ظهر في زمن
تفشت فيه العامية، وظهر فيه الشرك والابتداع في الدين، فألهمه الله أن كتب رسالة موجزة عرفت؟ (ثلاثة الأصول) . فكانت موضع العناية ومحمل الاهتمام، بحيث كان الموحدون يجتهدون في حفظها،
1 / 7
ويلقنونها لأطفالهم وعوامهم، فحفظ الله هذه الفرقة الناجية بسببها من الشُّبَهِ والفتن التي تصرف الفِطَر المستقيمة عن الطريق السوي. وقد شرحها الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم ﵀ وأكرم مثواه بحاشية نفيسة، أوضح فيها مقاصد المؤلف ودلالة النصوص. وقد طبعت (ثلاثة الأصول) عشرات المرات وعم النفع بها، والحمد لله. أما حاشيتها فطبعت في عهد مؤلفها ﵀ ثلاث طبعات. وقد بذلت ما استطعته من الجهد في تصحيحها للطبع بحسب الإمكان، والله الموفق والمعين، وصلى الله على محمد، وآله وصحبه وسلم.
عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله الجبرين
1 / 8
قال المصنف قدس الله روحه: قررت ثلاثة الأصول توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، والولاء والبراء، وهذا هو حقيقة دين الإسلام. ولكن قف عند هذه الألفاظ واطلب ما تضمنت من العلم والعمل. ولا يمكن العلم إلا أنك تقف عند كل مسمى منها. ا؟.
ومن عجز لجهله أو عجمته عن معرفة ذلك فلا بد أن يعتقد بقلبه، ويقول بلسانه حسب طاقته، بعد أن يفسر له (لا إله إلا الله محمد رسول الله) وأن ما جاء به حق، وكل دين سواه
باطل.
1 / 9
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الشارح
الحمد لله الذي شهدت بربوبيته وألهيته الكائنات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كلمة قامت بها الأرض
والسموات، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، المؤيد بالآيات والمعجزات. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرا. ً أما بعد:
فإن ثلاثة الأصول لشيخ الإسلام والمسلمين مجدد الدعوة والدين، محمد بن عبد الوهاب -أجزل الله له الثواب- قد جد الناس في
1 / 11
حفظها لعظم نفعها، وتشوقت النفوس لبيان معانيها لرصانة مبانيها، فوضعت عليها حاشيةً موضحةً لمعناها، مشجعةً لمن اقتناها. والله هو المسؤول أن ينفع بها، كما نفع بأصلها، إنه على كل شيء قدير.
1 / 12
القواعد التي يجب على كل مسلم معرفتها
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ١
اعْلمْ رَحِمَكَ اللهُ٢ أنه يجب علينا تعلم أربع
_________
١ ابتدأ المصنف ﵀ كتابه بالبسملة اقتداءً بالكتاب العزيز، وتأسيًا بالنبي ﷺ في مكتباته ومراسلاته، وعملًا بحديث: "كل أمر ذي بال" أي: حال وشأن يهتم به شرعًا "لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع"، وفي رواية "أجذم" وفي رواية "أبتر" والمعنى من جميع الروايات: أنه ناقص البركة، والبداءة بها للتبرك والاستعانة على ما يهتم به. واقتصر على البسملة؛ لأنها من أبلغ الثناء والذكر وللخبر.
٢ اعلم: فعل أمر من العلم، وهو حكم الذهن الجزم المطابق للواقع، أي: كن متهيئًا ومتفهمًا لما يلقى إليك من المعلوم. وكلمة (اعلم) يؤتى بها عند ذكر الأشياء المهمة الذي ينبغي للمتعلم أن يصغي إلى ما يلقى إليه منها، وما أقره المصنف هنا من أصول الدين حقيق بأن
1 / 13
مسائل١:
الأولى: العلم٢، وهو معرفة
_________
يهتم به غاية الاهتمام، ويعتني به أشد الاعتناء، ويصغى إليه حقيقة الإصغاء. و(رحمك الله): دعاء لك بالرحمة، أي: غفر الله لك ما مضى ووفقك وعصمك فيما يستقبل، وإذا قرنت الرحمة بالمغفرة فالمغفرة لما مضى، والرحمة: سؤال السلامة من ضرر الذنوب وشرها في المستقبل، وكثيرًا ما يجمع ﵀ -عندما يرشد الطالب بتقرير الأصول المهمة- بينها وبين الدعاء له، وهذا من حسن عنايته ونصحه وقصده الخير للمسلمين.
١ أي: يلزم كل فرد من أفراد المكلفين -ذكرًا كان أو أنثى، حرًا أو عبدًا- تعلم أربع مسائل: جمع مسألة، من السؤال: وهو ما يبرهن عنه في العلم. والواجب: ما لا يعذر أحد بتركه، وعند الأصوليين: ما يثاب فاعله ويعاقب تاركه. فيجب على كل فرد منا العلم بهذه الأربع المسائل.
٢ وهو معرفة الهدى بدليله. والعلم إذا أطلق فالمراد به
1 / 14
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
_________
العلم الشرعي الذي تفيد معرفته ما يجب على المكلف من أمر دينه. والعلم الشرعي على قسمين: فرض عين، وفرض كفاية. وما ذكر ﵀ فهو فرض عين على الذكر والأنثى، والحر والعبد، لا يعذر أحد بالجهل به، وفي الحديث عن أنس ﵁: "طلب العلم فريضة"، وقال أحمد: يجب أن يطلب من العلم ما يقوم به دينه. قيل له: مثل أي شيء؟ قال: الذي لا يسعه جهله صلاته وصيامه ونحو ذلك، وقال المصنف ﵀: إن طلب العلم فريضة، وإنه شفاء للقلوب المريضة. وإن أهم ما على العبد معرفة دينه، الذي معرفته والعمل به سبب لدخول الجنة، والجهل به وإضاعته سبب لدخول النار، أعاذنا الله منها. ا؟.
فما كان واجبًا على الإنسان العمل به كأصول الإيمان، وشرائع الإسلام، وما يجب اجتنابه من المحرمات، وما يحتاج إليه في المعاملات، ونحو ذلك مما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب عليه العلم به، بخلاف القدر الزائد على ما يحتاج إليه المعين فإنه من
1 / 15
الله١، ومعرفة نبيه٢، ومعرفة دين الإسلام
_________
فروض الكفايات الذي إذا قام بها من يكفي سقط الإثم عن الباقين، ثم إن طلب العلم فيما هو فرض كفاية أفضل من قيام الليل وصيام النهار والصدقة بالذهب والفضة. قال أحمد: تعلم العلم وتعليمه أفضل من الجهاد وغيره مما يتطوع به. ا؟.
فإن العلم هو الأصل والأساس، وأعظم العبادات، وآكد فروض الكفايات، بل به حياة الإسلام والمسلمين، والتطوعات إنما هي شيء مختص بصاحبه لا يتعدى إلى غيره، وهو الميراث النبوي ونور القلوب، وأهله هم أهل الله وحزبه، وأولى الناس به وأقربهم إليه، وأخشاهم له وأرفعهم درجات.
١ أي: بما تعرف به إلينا في كتابه وسنة رسوله ﷺ من أسمائه وصفاته وأفعاله، ولا يكون الإنسان على حقيقة من دينه إلا بعد العلم بالله ﷾.
٢ ﷺ فهو الواسطة بيننا وبين الله في تبليغ رسالة الله، ومعرفته فرض على كل مكلف، وأحد مهمات الدين. والنبي: رجل أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه، فإن
1 / 16
بالأدلة١.
الثانية: العمل به٢.
_________
أمر به فرسول.
١ أي: معرفة دين الإسلام الذي تعبد اللهَ الخلقَ به بالأدلة من الكتاب والسنة. والأدلة: جمع دليل، والدليل: هو ما يوصل إلى المطلوب، وفيه إشارة إلى أنه لا يصلح فيه التقليد، بل إذا لقي الله فإذا معه حجج الله وبراهينه، وهذا المقدار من العلم يجب تعلمه، بل يعمل المرء بشيء وهو لا يعرفه؟! وجهل الإنسان حقيقة ما أمر الله به من أعظم الإثم، والعمل بغير علم طريق النصارى، والعلم بلا عمل طريق اليهود، وقد أمرنا الله أن نسأله في كل ركعة أن يهدينا الصراط المستقيم، وهو طريق الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، غير المغضوب عليهم ولا الضالين.
٢ فالعمل: هو ثمرة العلم، والعلم مقصود لغيره، فهو بمنزلة الشجرة والعمل بمنزلة الثمرة، فلا بد مع العلم بدين الإسلام العمل به، فإن الذي معه علم ولا
1 / 17
الثالثة: الدعوة إليه١.
الرابعة: الصبر على الأذى فيه٢، والدليل
_________
يعمل به شر من الجاهل، وفي الحديث: "أشد الناس عذابًا عالم لم ينفعه الله بعلمه"، وهو أحد الثلاثة الذين أخبر النبي ﷺ أنهم أول من تسعر بهم النار يوم القيامة. وقد قيل:
وعامل بعلمه لم يعملن ... معذب من قبل عباد الوثن.
١ فإذا حصل له بتوفيق الله العلم بدين الإسلام والعمل به فيجب عليه السعي في الدعوة إليه، كما هي طريقة الرسل وأتباعهم. وأعلى مراتب العلم الدعوة إلى الحق وسبيل الرشاد، ونفي الشرك والفساد، فإنه ما من نبي يبعث إلى قومه إلا ويدعوهم إلى طاعة الله وإفراده بالعبادة، وينهاهم عن الشرك ووسائله وذرائعه، ويبدأ بالأهم فالأهم بعد ذلك من شرائع الإسلام.
٢ لأن من قام بدين الإسلام ودعا الناس إليه فقد تحمل أمرًا عظيمًا، وقام مقام الرسل في الدعوة، وقصد أن يحول بين الناس وبين شهواتهم وأهوائهم واعتقاداتهم
1 / 18
قَوْلُهُ تَعَالَى: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿وَالْعَصْرِ١ (١) إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ٢ (١) إِلّا الَّذِينَ آمَنُوا٣ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ٤ وَتَوَاصَوْا
_________
الباطلة، فحينئذ لابد أن يؤذوه، فعليه أن يصبر ويحتسب. وهذه الأربع أوجب الواجبات.
١ أقسم تعالى بالعصر، وهو الدهر الذي هو زمن تحصيل الأرباح والعمال الصالحة للمؤمنين، وزمن الشقاء للمعرضين، ولما فيه من العبر والعجائب للناظرين.
٢ أي: جنس الإنسان من حيث هو إنسان في خسار في مسعاه ولابد، إلا من استثنى الله في هذه السورة، وهو من قام بهذه الخصال: الإيمان بالله، والعمل الصالح في نفسه، وأمر غيره به، والصبر على ما ناله فيه.
٣ استثنى ﷾ الذين آمنو فإنهم ليسو في خسر، ففيه ما يوجب الجد والاجتهاد في معرفة الإيمان والتزامه، وفيه العلم، فإنه لا يمكن العمل بدون علم، وفيه حياة الإنسان.
٤ أي: ليسو في خسر، بل فازوا وربحوا، لأنهم اشتروا
1 / 19
بِالْحَقِّ١ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ٢﴾
_________
الآخرة الباقية بالدنيا الفانية، وفيه الحض على العلم، فإن العامل بغير علم ليس من عمله على طائل، وفيه العمل وهو ثمرة العلم.
١ أوصى بعضهم بعضًا بالإيمان بالله وتوحيده، وبالكتاب والسنة والعمل بما فيهما، ومنه الدعوة إليه.
٢ أي: على أداء الفرائض، وإقامة أمر الله وحدوده، ويدخل فيه الحق الواجب والمستحب، وفيه الصبر على الأذى فيه، فإن من قام بالدعوة إلى الله فلا بد أن يحصل له من الأذى بحسب ما قام به. وفي هذه السورة الكريمة التنبيه على أن جنس الإنسان كله في خسار إلا من استثنى الله، وهو من كمل قوته العلمية بالإيمان بالله، وقوته العملية بالطاعات، فهذا كماله في نفسه ثم كمل غيره بوصيته له بذلك وأمره به، وبملاك ذلك وهو الصبر، وهذا غاية الكمال. ومعنى ذلك في القرآن كثير، وقال ابن القيم: جهاد النفس أربع مراتب: أحدها أن يجاهدها على تعلم الهدى ودين الحق الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به، ومتى
1 / 20
قال الشافعي رحمه الله تعالى١: لوما أَنْزَلَ اللهُ حُجَّةً عَلَى خَلْقِهِ إِلا هَذِهِ السورة لكفتهم٢
_________
فاتها علمه شقيت في الدارين. الثانية: أن يجاهدها على العمل به بعد علمه، وإلا فمجرد العلم بدون عمل إن لم يضرها لم ينفعها. الثالثة: أن يجاهدها على الدعوة إليه، وتعليمه من لا يعلمه، وإلا كان من الذين يكتمون ما انزل الله من الهدى والبيّنات، ولا ينفعه علمه، ولا ينجيه من عذاب الله. الرابعة: أن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله وأذى الخلق، ويتحمل ذلك كله لله.
فإذا استكمل هذه المراتب الأربع صار من الربانين، فإن السلف مجمعون على أن العالم لا يستحق أن يسمى ربانيًا حتى يعرف الحق ويعمل به، ويعلمه، فمن علم وعمل وعلّم فذلك يدعى عظيمًا في ملكوت السماء.
١ هو محمد بن إدريس القرشي، الإمام الشهير، المتوفى سنة أربع ومائتين، رحمه الله تعالى.
٢ لعظم شأنها مع غاية اختصارها، لو فكر الناس فيها
1 / 21
وقال البُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى١: بَابُ العِلْمُ قَبْلَ القول والعمل٢، والدليل قوله تعالى:
_________
١لكفتهم، لجمعها للخير بحذافيره، فإنها دلت على العلم والعمل، ة الدعوة إلى الحق، والصبر على الأذى فيه، فتضمنت جميع مراتب الكمال الإنساني، فهي حقيقة بأن يقال فيها ما قاله هذا الإمام الجليل، وقال شيخ الإسلام: هو كما قال، فإن الله أخبر أن جميع الناس خاسرون إلا من كان في نفسه مؤمنًا صالحا، ومع غيره موصيًا بالحق موصيًا بالصبر.
١ هو محمد بن إسماعيل، جبل الحفظ، صاحب الصحيح الذي هو أصح الكتب بعد كتاب الله، المتوفى سنة مائتين وست وخمسين ﵀.
٢ ترجم ﵀ بالبدائة بالعلم، لأن تعلم العلم الفرض مقدم على القول والعمل، وذلك أن قول المرء وعمله لا يصلح إلا إذا صدر عن علم، وفي الحديث: "من عمل عملًا ليس عليه امرنا فهو رد"، وقد قيل:
1 / 22
﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾ ١ [محمد: ١٩] .
فَبَدَأَ بِالْعِلْمِ قَبْلَ القَوْلِ وَالعَمَلِ٢.
_________
وكل من بغير علم ... أعماله مردودة لا تقبل
وهل تمكن عبادة الله التي هي حقه على خلقه وخلقهم لها إلا بالعلم؟!
١ استدل المصنف ﵀ بهذه الآية الكريمة على وجوب البدائة بالعلم قبل القول والعمل، كما استدل بها البخاري ﵀ على صحة ما ترجم به، وذلك أن الله تعالى أمر نبيه ﷺ بأمرين: بالعلم ثم بالعمل، والمبدوء به العلم في قوله: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾، ثم أعقبه بالعمل في قوله: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾ فدل على أن مرتبة العلم مقدمة على مرتبة العمل، وان العلم شرط في صحة القول والعمل، فلا يعتبر إلا به، فهو مقدم عليهما، لأنه مصحح النية المصححة للعمل.
٢ حيث قال: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾، ثم قال: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾، ولا يبدأ إلا بالأهم فالأهم،
1 / 23
اعْلَمْ رَحِمَكَ اللهُ أَنَّه يَجِبُ عَلَى كُلِّ مسلم ومسلمة١ تعلم ثلاث هذه المسائل والْعَمَلُ بِهِنَّ٢: الأُولَى: أَنَّ اللهَ خَلَقَنَا وَرَزَقَنَا٣، ولم يتركنا هملًا٤، بل أرسل إلينا
_________
وقال ﷺ: " ابدأوا بما بدأ الله به".
١ مكلف من ذكر وأنثى، حر وعبد، وجوبًا عينًا، يعاقب المرء على تركه.
٢ أي: معرفتها، واعتقاد معانيهن، والعمل بمدلولهن، فإن العمل هو ثمرة العلم.
٣ أي: أوجدنا بعد أن لم نكن شيئًا لعبادته، ورزقنا النعم لنستعين بها على ما خلقنا له.
٤ أي: مهملين معطلين سدى، شبه البهائم لا نؤمر ولا ننهى، قال تعالى: ﴿أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً﴾ [القيامة: ٣٦]
﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ﴾ [المؤمنون: ١١٥، ١١٦]، وفي الحديث القدسي: " خلقتك لأجلي فلا تلعب، وخلقت
1 / 24
رَسُولًا١، فَمَنْ أَطَاعَهُ دَخَلَ الجَنَّةَ٢، وَمَنْ عَصَاهُ دخل النار٣، والدليل قوله تعالى: ﴿إِنَّا
_________
كل شيء لأجلك فلا تتعب"، بل خلقنا لنعبده وحده لا شريك له.
١ هو محمد ﷺ، أرسله بالهدى ودين الحق، وهذا أصل عظيم من أصول الدين يجب علينا معرفته، واعتقاده، والعمل بمقتضاه.
٢ لأن طاعته طاعة لله: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [النساء: ١٣]، ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ [النور: ٥٢] .
٣ أعاذنا الله منها ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [النساء: ١٤] وقد أمرنا الله بطاعته ونهانا عن معصيته في غير موضع من كتابه.
1 / 25