الحاشية العثيمينية
على كتاب
«زاد المستقنع»
وهي جمعٌ
لتعليقات الشيخ العلامة ابن عثيمين واختياراته
التي خالف فيها قول «الزاد» من كتابه «الشرح الممتع»
جمعها وأعدها
حازم خنفر
1 / 1
بسم الله الرحمن الرحيم
1 / 2
الحاشية العثيمينية
على كتاب «زاد المستقنع»
1 / 3
حقوق الطبع
مبذولةٌ لكل مسلمٍ يبتغي الأجر والعمل الصالح
١٤٣٥ هـ - ٢٠١٤ م
1 / 4
المقدمة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فهذا سفرٌ جامعٌ لاختيارات العلامة محمد بن صالحٍ العثيمين ﵀، وذلك من كتابه «الشرح الممتع».
وقد اقتصرت فيه على آرائه الفقهية التي خالف فيها قول الحجاوي في كتابه «زاد المستقنع»، وأضربت عما هو متعلقٌ بتفريعات المسائل المذكورة في الشرح، وربما أثبت نزرًا منها لمزيد فائدةٍ، وكذلك أثبت شيئًا مما وافقه في بعض مسائل لجللها، حتى طوي هذا السفر على (١٩٥٠) حاشيةً.
ولما كان الشيخ ﵀ تقصى في تحقيق المسائل وذكر أقوال العلماء والأدلة وترجيح الآراء؛ كان لا محالة من اختصار قوله دون المس بأصل اللفظ وتركيبه؛ إلا فيما ألجئت إليه من إثبات حرف استئنافٍ أو تبديل كلمةٍ أو تعديل جملةٍ - أو ما أشبه -؛ سبكًا لمختصر النص:
- فما كان ظاهرًا جدا من زيادةٍ وتصرفٍ بكلام الشيخ ﵀ فرمزته بمحصورتين [].
- وما أسقطته من كلام الشيخ ﵀ فرمزته بثلاث نقاطٍ ... .
1 / 5
ولما كانت مقاصد هذا الكتاب هي اختيارات الشيخ دون النظر في تحقيق نص المتن وضبطه؛ كان الأحرى أن أبقيه على أصله الوارد في كتاب «الشرح الممتع» تطابقًا للفظ المتن مع مادة الشرح.
وبقدر ما نشطت لجمع هذه الاختيارات واستخراجها على هذا الضرب؛ إلا أني لا أنزه ما خطه قلمي في بابات هذا الكتاب من سهوةٍ عن إثبات رمزٍ، أو نسوةٍ من ذكر اختيارٍ، أو هفوةٍ في نقل مسألةٍ؛ فإن الكمال عزيزٌ.
وأسأله - سبحانه - أن يقر هذا العمل في ميزان الأعمال الصالحات، إنه سميعٌ مجيبٌ.
كتبه
أبو البهاء
حازم خنفر
٢٨/ ٤ / ١٤٣٥ هـ-
٢٨/ ٢ / ٢٠١٤ م
1 / 6
كتاب الطهارة
وهي: ارتفاع الحدث - وما في معناه -، وزوال الخبث.
المياه ثلاثةٌ (١):
طهورٌ لا يرفع الحدث (٢) ولا يزيل النجس الطارئ غيره (٣)، وهو الباقي على خلقته.
فإن تغير بغير ممازجٍ - كقطع كافورٍ، أو دهنٍ، أو بملحٍ مائي، أو سخن بنجسٍ - (٤): كره (٥).
وإن تغير بمكثه، أو بما يشق صون الماء عنه - من نابتٍ فيه وورق شجرٍ -، أو
_________
(١) الصحيح: أن الماء قسمان فقط: طهورٌ ونجسٌ، فما تغير بنجاسةٍ فهو نجسٌ، وما لم يتغير بنجاسةٍ فهو طهورٌ، وأن الطاهر قسمٌ لا وجود له في الشريعة.
(٢) التراب في التيمم - على المذهب - لا يرفع الحدث، والصواب: أنه يرفع الحدث.
(٣) أي: لا يزيل النجس إلا الماء ... والصواب: أنه إذا زالت النجاسة بأي مزيلٍ كان؛ طهر محلها.
(٤) الصواب: أنه إذا كان محكم الغطاء لا يكره، فإن دخل فيه دخانٌ وغيره فإنه ينبني على القول بأن الاستحالة تصير النجس طاهرًا، فإن قلنا بذلك لم يضر، وإن قلنا بأن الاستحالة لا تطهر وتغير أحد أوصاف الماء بهذا الدخان؛ كان نجسًا.
(٥) الصواب في هذه المسائل كلها: أنه لا يكره؛ لأن الكراهة حكمٌ شرعي يفتقر إلى دليلٍ.
1 / 7
بمجاورة ميتةٍ (١)، أو سخن بالشمس، أو بطاهرٍ: لم يكره.
وإن استعمل في طهارةٍ مستحبةٍ؛ كتجديد وضوءٍ، وغسل جمعةٍ، وغسلةٍ ثانيةٍ وثالثةٍ: كره (٢).
وإن بلغ قلتين - وهو الكثير، وهما خمس مئة رطلٍ عراقي تقريبًا - فخالطته نجاسةٌ غير بول آدمي أو عذرته المائعة فلم تغيره، أو خالطه البول أو العذرة ويشق نزحه - كمصانع طريق مكة -: فطهورٌ (٣).
ولا يرفع حدث رجلٍ طهورٌ يسيرٌ خلت به امرأةٌ لطهارةٍ كاملةٍ عن حدثٍ (٤).
وإن تغير لونه أو طعمه أو ريحه - بطبخٍ أو ساقطٍ فيه - (٥)، أو رفع بقليله
_________
(١) بعض العلماء حكى الإجماع على أنه لا ينجس بتغيره بمجاورة ميتةٍ ...، ولا شك أن الأولى التنزه عنه - إن أمكن -.
(٢) الصواب في هذه المسائل كلها: أنه لا يكره؛ لأن الكراهة حكمٌ شرعي يفتقر إلى دليلٍ.
(٣) [قولٌ آخر]، - وهو اختيار شيخ الإسلام، وجماعةٍ من أهل العلم -: أنه لا ينجس إلا بالتغير مطلقًا؛ سواءٌ بلغ القلتين أم لم يبلغ، لكن ما دون القلتين يجب على الإنسان أن يتحرز إذا وقعت فيه النجاسة، لأن ما دونهما يتغير، وهذا هو الصحيح للأثر والنظر.
(٤) ليس على سبيل التحريم؛ بل على سبيل الأولوية وكراهة التنزيه ...، فالصواب: أن الرجل لو تطهر بما خلت به المرأة؛ فإن طهارته صحيحةٌ ويرتفع حدثه، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀.
(٥) التعليل لكون هذا طاهرًا غير مطهرٍ: أنه ليس بماءٍ مطلقٍ، وإنما يقال: (ماء كذا) فيضاف؛ كما يقال: (ماء وردٍ).
ولكن يقال: هذا لا يكفي في نقله من الطهورية إلى الطهارة إلا إذا انتقل اسمه انتقالًا كاملًا؛ فيقال - مثلًا -: (هذا مرقٌ) و(هذه قهوةٌ)؛ فحينئذٍ لا يسمى ماءً، وإنما يسمى شرابًا؛ يضاف إلى ما تغير به.
1 / 8
حدثٌ (١)، أو غمس فيه يد قائمٍ من نوم ليلٍ ناقضٍ لوضوءٍ (٢)، أو كان آخر غسلةٍ زالت بها النجاسة: فطاهرٌ.
والنجس: ما تغير بنجاسةٍ، أو لاقاها وهو يسيرٌ (٣)، أو انفصل عن محل نجاسةٍ قبل زوالها.
فإن أضيف إلى الماء النجس: طهورٌ كثيرٌ - غير ترابٍ ونحوه -، أو زال تغير النجس الكثير بنفسه، أو نزح منه فبقي بعده كثيرٌ غير متغيرٍ: طهر (٤).
وإن شك في نجاسة ماءٍ أو غيره أو طهارته: بنى على اليقين.
وإن اشتبه طهورٌ بنجسٍ: حرم استعمالهما ولم يتحر (٥).
ولا يشترط للتيمم إراقتهما ولا خلطهما (٦).
_________
(١) الصواب: أن ما رفع بقليله حدثٌ: طهورٌ؛ لأن الأصل بقاء الطهورية، ولا يمكن العدول عن هذا الأصل إلا بدليلٍ شرعي يكون وجيهًا.
(٢) هذا القول ضعيفٌ أثرًا ونظرًا ...، والصواب: أنه طهورٌ.
(٣) أي: لاقى النجاسة وهو دون القلتين ...، والصحيح: أن هذا ليس من قسم النجس إلا أن يتغير.
(٤) الصحيح: أنه إذا زال تغير الماء النجس بأي طريقٍ كان فإنه يكون طهورًا ... وأي فرقٍ بين أن يكون كثيرًا أو يسيرًا فالعلة واحدةٌ، متى زالت النجاسة فإنه يكون طهورًا.
(٥) قال الشافعي ﵀: يتحرى، وهو الصواب.
(٦) إذا أمكن تطهير أحدهما بالآخر وجب التطهير، ولا يحتاج إلى التيمم.
1 / 9
وإن اشتبه بطاهرٍ: توضأ منهما وضوءًا واحدًا - من هذا غرفةً ومن هذا غرفةً - وصلى صلاةً واحدةً (١).
وإن اشتبهت ثيابٌ طاهرةٌ بنجسةٍ أو بمحرمةٍ: صلى في كل ثوبٍ صلاةً بعدد النجس أو المحرم وزاد صلاةً (٢).
_________
(١) هذه المسألة لا ترد على ما صححناه؛ لعدم وجود الطاهر غير المطهر - على القول الصحيح -.
(٢) الصحيح: أنه يتحرى، وإذا غلب على ظنه طهارة أحد الثياب صلى فيه، والله لا يكلف نفسًا إلا وسعها، ولم يوجب الله على الإنسان أن يصلي الصلاة مرتين.
و[كذلك في الثياب المحرمة]؛ فيتحرى ويصلي بما يغلب على ظنه أنه الثوب المباح.
ولو فرضنا أنه لم يمكنه التحري لعدم وجود القرينة؛ فإنه يصلي فيما شاء؛ لأنه في هذه الحال مضطر إلى الصلاة في الثوب المحرم، ولا إعادة عليه.
1 / 10
باب الآنية
كل إناءٍ طاهرٍ (١) - ولو ثمينًا -: يباح اتخاذه واستعماله إلا آنية ذهبٍ وفضةٍ ومضببًا بهما؛ فإنه يحرم اتخاذها واستعمالها - ولو على أنثى - (٢).
وتصح الطهارة منها إلا ضبةً يسيرةً من فضةٍ لحاجةٍ، وتكره مباشرتها لغير حاجةٍ (٣).
وتباح آنية الكفار - ولو لم تحل ذبائحهم -، وثيابهم إن جهل حالها.
ولا يطهر جلد ميتةٍ بدباغٍ (٤)، ويباح استعماله بعد الدبغ في يابسٍ من حيوانٍ طاهرٍ في الحياة (٥).
_________
(١) هذا احترازٌ من النجس ...، وفيما قال المؤلف نظرٌ؛ لأن النجس يباح استعماله إذا كان على وجهٍ لا يتعدى.
(٢) الصحيح: أن الاتخاذ والاستعمال في غير الأكل والشرب ليس بحرامٍ.
(٣) الصواب: أنه ليس بمكروهٍ، وله مباشرتها.
(٤) قالوا: لأن الميتة نجسة العين، ونجس العين لا يمكن أن يطهر ... وهذا القياس واضحٌ جدا، إلا أنه في مقابلة النص - وهو حديث ميمونة - فهذا صريحٌ في أنه يطهر بالدبغ.
(٥) أفادنا المؤلف أن استعماله قبل الدبغ لا يجوز في يابسٍ ولا غيره؛ لأنه نجسٌ، وظاهر كلامه أن الاستعمال لا يجوز ولو بعد أن نشف الجلد وصار يابسًا، وهذا فيه نظرٌ.
وإذا قلنا بالقول الراجح - وهو طهارته بالدباغ -؛ فإنه يباح استعماله في الرطب واليابس.
1 / 11
ولبنها، وكل أجزائها نجسةٌ غير شعرٍ - ونحوه -.
وما أبين من حي فهو كميتته.
1 / 12
باب الاستنجاء
يستحب:
عند دخول الخلاء: قول: (بسم الله، أعوذ بالله من الخبث والخبائث).
وعند الخروج منه: (غفرانك، الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني) (١).
وتقديم رجله اليسرى دخولًا، واليمنى خروجًا - عكس مسجدٍ ونعلٍ -.
واعتماده على رجله اليسرى (٢).
وبعده في فضاءٍ.
واستتاره.
وارتياده لبوله مكانًا رخوًا.
ومسحه بيده اليسرى إذا فرغ من بوله - من أصل ذكره إلى رأسه ثلاثًا - (٣).
_________
(١) الحديث الوارد في هذا فيه ضعفٌ.
[أما (غفرانك)]؛ فللحديث الصحيح عن عائشة ﵂، أن النبي ﷺ كان إذا خرج من الغائط قال: (غفرانك).
(٢) [الحديث الوارد في هذا] ضعيفٌ.
(٣) هذا قولٌ ضعيفٌ جدا؛ لأنه لم يصح عن النبي ﷺ، ولضرره بمجاري البول، فربما تتمزق بهذا المسح.
1 / 13
ونتره ثلاثًا (١).
وتحوله من موضعه ليستنجي في غيره - إن خاف تلوثًا -.
ويكره:
دخوله بشيءٍ فيه ذكر الله - تعالى - إلا لحاجةٍ (٢).
ورفع ثوبه قبل دنوه من الأرض (٣).
وكلامه فيه (٤).
_________
(١) [الحديث الوارد في النتر] ضعيفٌ لا يعتمد عليه ...، والنتر من باب التنطع المنهي عنه.
(٢) [الحديث الوارد في هذا] معلولٌ وفيه مقالٌ كثيرٌ، ومن صحح الحديث أو حسنه قال بالكراهة، ومن قال: إنه لا يصح؛ قال بعدم الكراهة، لكن الأفضل أن لا يدخل.
وفرقٌ بين قولنا: (الأفضل)، والقول: (إنه مكروهٌ)؛ لأنه لا يلزم من ترك الأفضل الوقوع في المكروه.
(٣) هذا له حالان:
الأولى: أن يكون حوله من ينظره، فرفع ثوبه هنا قبل دنوه من الأرض محرمٌ؛ لأنه كشفٌ للعورة ...
الثانية: كشفه وهو خالٍ ليس عنده أحدٌ، فهل يكره أم لا؟ هذا ينبني على جواز كشف العورة والإنسان خالٍ.
(٤) أما إذا كان قاضيا الحاجة اثنين؛ ينظر أحدهما إلى عورة الآخر ويتحدثان فهو حرامٌ بلا شك.
1 / 14
وبوله في شق - ونحوه - (١).
ومس فرجه بيمينه (٢).
واستنجاؤه واستجماره بها (٣).
واستقبال النيرين (٤).
ويحرم:
استقبال القبلة واستدبارها في غير بنيانٍ (٥).
ولبثه فوق حاجته (٦).
_________
(١) الكراهة تزول بالحاجة؛ كأن لم يجد إلا هذا المكان المتشقق.
(٢) الجزم بالكراهة إنما هو في حال البول - للحديث الوارد -، وفي غير حال البول محل احتمالٍ، فإذا لم يكن هناك داعٍ ففي اليد اليسرى غنيةٌ عن اليد اليمنى.
(٣) أما إذا احتاج إلى الاستنجاء أو الاستجمار بيمينه - كما لو كانت اليسرى مشلولةً - فإن الكراهة تزول، وكذا إن احتاج إلى الاستجمار باليمين - مثل أن لا يجد إلا حجرًا صغيرًا -.
(٤) الصحيح: عدم الكراهة؛ لعدم الدليل الصحيح؛ بل ولثبوت الدليل الدال على الجواز.
(٥) الراجح: أنه يجوز في البنيان استدبار القبلة دون استقبالها؛ لأن النهي عن الاستقبال محفوظٌ ليس فيه تفصيلٌ ولا تخصيصٌ، والنهي عن الاستدبار خصص بما إذا كان في البنيان؛ لفعل النبي ﷺ.
(٦) تحريم اللبث مبني على التعليل، ولا دليل فيه عن النبي ﷺ، ولهذا قال أحمد في روايةٍ عنه: (إنه يكره، ولا يحرم).
1 / 15
وبوله في طريقٍ، وظل نافعٍ، وتحت شجرةٍ عليها ثمرةٌ (١).
ويستجمر، ثم يستنجي بالماء.
ويجزئه الاستجمار (٢) إن لم يعد الخارج موضع العادة (٣).
ويشترط للاستجمار بأحجارٍ - ونحوها -: أن يكون طاهرًا، منقيًا، غير عظمٍ وروثٍ، وطعامٍ، ومحترمٍ، ومتصلٍ بحيوانٍ.
ويشترط ثلاث مسحاتٍ منقيةٍ فأكثر - ولو بحجرٍ ذي شعبٍ -.
ويسن قطعه على وترٍ (٤).
ويجب الاستنجاء لكل خارجٍ إلا الريح (٥).
_________
(١) أطلق المؤلف ﵀ الثمرة، ولكن يجب أن تقيد، فيقال: ثمرةٌ مقصودةٌ، أو ثمرةٌ محترمةٌ.
(٢) هذا هو الأفضل، وليس على سبيل الوجوب، ولهذا قال: (ويجزئه الاستجمار).
(٣) ليس هناك دليلٌ على هذا الشرط؛ بل تعليلٌ، وهو أن الاقتصار على الأحجار - ونحوها - في إزالة البول أو الغائط خرج عن نظائره؛ فيجب أن يقتصر فيه على ما جرت العادة به، فما زاد عن العادة فالأصل أن يزال بالماء.
(٤) الدليل: ما ثبت في «الصحيحين» أن النبي ﷺ قال: «من استجمر فليوتر» ...، فإن أريد بالإيتار: الثلاث؛ فالأمر للوجوب ... وإن أريد ما زاد على الثلاث فالأمر للاستحباب؛ بدليل قوله ﷺ: «من استجمر فليوتر، من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج»؛ فبين النبي ﷺ أن هذا على سبيل الاستحباب.
(٥) يستثنى من ذلك - أيضًا - المني، وهو خارجٌ من السبيل، فهو داخلٌ في عموم قوله: (لكل خارجٍ)، لكنه طاهرٌ، والطاهر لا يجب الاستنجاء له.
ويستثنى - أيضًا - غير الملوث ليبوسته، فإذا خرج شيءٌ لا يلوث - ليبوسته - فلا يستنجى له؛ لأن المقصود من الاستنجاء الطهارة، وهنا لا حاجة إلى ذلك.
1 / 16
ولا يصح قبله وضوءٌ ولا تيممٌ (١).
_________
(١) إذا كان الإنسان في حالة السعة فإننا نأمره أولًا بالاستنجاء ثم بالوضوء - وذلك لفعل النبي ﷺ، وأما إذا نسي أو كان جاهلًا فإنه لا يجسر الإنسان على إبطال صلاته، أو أمره بإعادة الوضوء والصلاة.
1 / 17
باب السواك وسنن الوضوء
التسوك بعودٍ لينٍ منقٍ غير مضر لا يتفتت، لا بأصبعٍ أو خرقةٍ (١): مسنونٌ كل وقتٍ لغير صائمٍ بعد الزوال (٢).
متأكدٌ عند صلاةٍ، وانتباهٍ، وتغير فمٍ.
ويستاك عرضًا (٣)، مبتدئًا بجانب فمه الأيمن، ويدهن غبا، ويكتحل وترًا (٤).
_________
(١) قال بعض العلماء - ومنهم الموفق صاحب «المقنع» وابن أخيه شارح «المقنع» -: إنه يحصل من السنية بقدر ما حصل من الإنقاء.
وقد روي عن علي بن أبي طالبٍ ﵁ في صفة الوضوء، أن النبي ﷺ أدخل بعض أصابعه في فيه.
وهذا يدل على أن التسوك بالأصبع كافٍ، ولكنه ليس كالعود؛ لأن العود أشد إنقاءً، لكن قد لا يكون عند الإنسان في حال الوضوء شيءٌ من العيدان يستاك به، فنقول له: يجزئ بالأصبع.
[أما الخرقة؛ فهي] أبلغ في التنظيف، فمن قال: إن الأصبع تحصل به السنة قال: إن الخرقة من باب أولى.
(٢) الراجح: أن السواك سنةٌ حتى للصائم - قبل الزوال وبعده -.
(٣) يحتمل أن يقال: يرجع إلى ما تقتضيه الحال، فإذا اقتضت الحال أن يستاك طولًا استاك طولًا، وإذا اقتضت أن يستاك عرضًا استاك عرضًا؛ لعدم ثبوت سنةٍ بينةٍ في ذلك.
(٤) أما الاكتحال الذي لتجميل العين فهل هو مشروعٌ للرجل أم للأنثى فقط؟ الظاهر أنه مشروعٌ للأنثى فقط، أما الرجل فليس بحاجةٍ إلى تجميل عينيه.
وقد يقال: إنه مشروعٌ للرجل - أيضًا -؛ لأن النبي ﷺ لما سئل: إن أحدنا يحب أن يكون نعله حسنًا وثوبه حسنًا، فقال: «إن الله جميلٌ يحب الجمال».
وقد يقال: إذا كان في عين الرجل عيبٌ يحتاج إلى الاكتحال فهو مشروعٌ له، وإلا فلا يشرع.
1 / 19
وتجب التسمية في الوضوء مع الذكر (١).
ويجب الختان ما لم يخف على نفسه (٢).
ويكره القزع (٣).
ومن سنن الوضوء: السواك، وغسل الكفين ثلاثًا - ويجب من نوم ليلٍ ناقضٍ لوضوءٍ -، والبداءة بمضمضةٍ ثم استنشاقٍ (٤)، والمبالغة فيهما لغير صائمٍ، وتخليل
_________
(١) المذهب أنها واجبةٌ فقط وليست شرطًا، وكأنهم عدلوا عن كونها شرطًا لصحة الوضوء؛ لأن الحديث فيه نظرٌ؛ ولهذا ذهب الموفق ﵀ إلى أنها ليست واجبةً بل سنةٌ؛ لأن الإمام أحمد ﵀ قال: (لا يثبت في هذا الباب شيءٌ)، وإذا لم يثبت فيه شيءٌ فلا يكون حجةً.
ولأن كثيرًا من الذين وصفوا وضوء النبي ﷺ لم يذكروا فيه التسمية، ومثل هذا لو كان من الأمور الواجبة التي لا يصح الوضوء بدونها لذكرت.
(٢) أقرب الأقوال: أنه واجبٌ في حق الرجال، سنةٌ في حق النساء.
(٣) القزع مكروهٌ ...، إلا إذا كان فيه تشبهٌ بالكفار؛ فهو محرمٌ.
(٤) لم يذكر المؤلف الاستنثار؛ لأن الغالب أن الإنسان إذا استنشق الماء أنه يستنثره، وإلا فلا بد من الاستنثار؛ إذ لا تكتمل السنة إلا به.
1 / 20
اللحية الكثيفة والأصابع (١)، والتيامن، وأخذ ماءٍ جديدٍ للأذنين (٢)، والغسلة الثانية والثالثة.
_________
(١) أي: من سنن الوضوء: تخليل أصابع اليدين والرجلين، وهو في الرجلين آكد.
(٢) الصواب: أنه لا يسن أن يأخذ ماءً جديدًا للأذنين؛ [لأن الحديث الوارد في ذلك] شاذ؛ لأنه مخالفٌ لما رواه مسلمٌ: أن النبي ﷺ مسح برأسه بماءٍ غير فضل يديه، ولأن جميع من وصف وضوءه ﷺ لم يذكروا أنه أخذ ماءً جديدًا للأذنين.
وأما التعليل لمشروعية أخذ ماءٍ جديدٍ للأذنين أنهما كعضوٍ مستقل؛ فجوابه: أنهما يمسحان مع الرأس مرةً واحدةً؛ فليسا عضوًا مستقلا.
1 / 21