يا هشام، نصب الحق لطاعة الله، ولا نجاة إلا بالطاعة، والطاعة بالعلم، والعلم بالتعلم، والتعلم بالعقل يعتقد، ولا علم إلا من عالم رباني، ومعرفة العلم بالعقل.
يا هشام، قليل العمل من العالم مقبول مضاعف، وكثير العمل من أهل الهوى والجهل مردود.
يا هشام، إن العاقل رضي بالدون من الدنيا مع الحكمة، ولم يرض بالدون من الحكمة مع الدنيا، فلذلك ربحت تجارتهم.
يا هشام، إن العقلاء تركوا فضول الدنيا، فكيف الذنوب، وترك الدنيا من الفضل، وترك الذنوب من الفرض.
يا هشام، إن العاقل نظر إلى الدنيا وإلى أهلها، فعلم أنها لا تنال إلا بالمشقة، ونظر إلى الآخرة، فعلم أنها لا تنال إلا بالمشقة، فطلب بالمشقة أبقاهما.
يا هشام، إن العقلاء زهدوا في الدنيا ورغبوا في الآخرة؛ لأنهم علموا أن الدنيا طالبة ومطلوبة، والآخرة طالبة ومطلوبة، فمن طلب الآخرة، طلبته الدنيا حتى <div>____________________
<div class="explanation"> بإطاعة، ولا يتحقق الطاعة إلا بالعلم والمعرفة، ولا يكفي عقول الناس للإحاطة بالعلوم والمعارف من غير تعلم، بل يحصل لهم المعرفة بالتعلم، والتعلم باستعمال العقل في تحصيل الاعتقاد، ثم التعلم ينتهي لا محالة بعالم رباني يكون علمه من جانب الله تعالى، ومعرفة ذلك العلم والعالم به بالعقل، فلا نجاة إلا بعقل تحصل (1) به المعرفة الناشئة عن الله إما بلا تعلم، أو بتعلم من عالم رباني يعرف بالعقل.
قوله: (لأنهم علموا أن الدنيا طالبة مطلوبة).
لا يبعد أن يقال: الإتيان بالعاطف في الآخرة بقوله: " الآخرة طالبة ومطلوبة " وتركه في قوله: " الدنيا طالبة مطلوبة " للتنبيه على أن الدنيا طالبة موصوفة بالمطلوبية، فيكون " الطالبية " (2) - لكونها موصوفة - بمنزلة الذات، فدل على أن الدنيا من حقها في ذاتها أن تكون طالبة، ويكون المطلوبة (3) - لكونها صفة لاحقة بالطالبة (4) -</div>
Страница 54