نعم يمتنع الابتداء بالمدات إلا أن ذلك لذواتها لا لسكونها، وإذا استقريت لغة العجم وجدت فيها الابتداء بالساكن المدغم، وقد يستدل على الجواز بأنه لو لم يجز لكان التلفظ بالحرف المبتدأ به موقوفا على التلفظ بالحركة فيدور لأن الحركة موقوفة على الحرف في التلفظ توقف العارض على المعروض. ويجاب بأن امتناع الابتداء بالساكن يستلزم امتناع انفكاك الحركة عن الحرف المبتدأ به، وأما توقفه على الحركة فلا لجواز أن تكون الحركة تابعة غير منفكة.
واعلم أن الحركة والسكون بالمعنى المشهور مختصان بالأجسام، وأن المراد بحركة الحرف كونه بحيث يمكن أن يتلفظ بعده بإحدى المدات الثلاث، وسكونه كونه بحيث لا يمكن فيه ذلك (قوله لسلامة لغتهم ولوضعها) نشر لما سبق فالأول علة للابتداء بالمتحرك دون الساكن، إذ في الابتداء بالساكن (لكنة) وعى في اللسان (وبشاعة) أي أخذ في الحلق أو كراهة في السمع، يقال شئ بشيع: أي كريه الطعم يأخذ في الحلق، أو كراهة من السامع لسماعه. والثاني علة للوقف على الساكن لأن الوقف كالفراغ من البناء، وإنما يكون بما لا قلق فيه ولا اضطراب، فغاية الإحكام والرصانة تقتضى أن لا يوقف على المتحرك لأن الحركة تقلق الحرف وتزعجه من مخرجه كما يشهد لها الوجدان. وقيل الثاني أيضا علة لتخصيص الابتداء بالمتحرك، فإن الابتداء للكلام كالأس للبناء ، فكما أن البناء الحاذق لا يبنى إلا على أساس محكم، كذلك المتكلم إذا أراد إحكام كلامه ورصانته لا يبنيه إلا على متحرك ليقويه بالحركة الوجودية دون الساكن لتطرق الضعف إليه لسكونه العدمي، وأما الوقف على الساكن فلأنه ضد للابتداء، فجعل علامته ضد العلامة (قوله من لم يزدها) أي في الابتداء، واستغنى عن الهمزة بتحريك الساكن في الابتداء، وجعل الدرج تابعا له فحرك فيه أيضا كما في المستشهد به، وإذا ثبت التحريك في الدرج مع الاستغناء عنه كان في الابتداء أولى، فتارة يحرك بالكسر لأنه الأصل في تحريك الساكن ولأنه حركة أصله الذي هو سمو بكسر السين، وتارة يحرك بالضم لأنه أقوى ولأنه أيضا حركة أصلة الذي هو سمو بضم السين. قال ابن الأنباري:
في الاسم خمس لغات: اسم، واسم بكسر الهمزة وضمها، وسم، وسم بكسر السين وضمها، وسمى على وزن هدى (قوله باسم الذي) قال رحمه الله: هو لرؤبة وبعده:
أرسل فيها بازلا يقرمه * فهو بها ينحو طريقا يعلمه وجعل الفاضل اليمنى هذا البيت مقدما على قوله باسم الذي، وأياما كان فالباء تتعلق بأرسل: أي باسمه أرسل الراعي في الإبل بازلا يقرمه: أي يتركه عن الاستعمال بالركوب والحمل ليتقوى للفحلية، فالجملة صفة بازلا، وقد يجعل حالا من المرسل لأن الوصف بصيغة الماضي أولى، فهو: أي النازل يقصد بتلك الإبل طريقا يعلمه لاعتياده بتلك الفعلة (قوله وأصله سمو) كسرا وضما فأريد تخفيفه في طرفيه لكثرة استعماله فحذف آخره ولم يحذف أوله تفاديا عن الإجحاف فحذفت حركته (قوله بدليل تصريفه) يرد به على الكوفية حيث زعموا أنه من الأسماء المحذوفة الفاء وأصله وسم، ولو صح لكان جمعه أوساما وتصغيره وسيما، والفعل المأخوذ منه وسمت، فقد تبين
Страница 34