بهذه الكلمة فتكون هي مقصورة عليه، وقولهم في إياك نعبد: نخصك بالعبادة: أي نميزك أو نفردك من بين المعبودين بالعبادة له لا بغيره. وقوله - يختص برحمته من يشاء - أي يميزه عن غيره بها، فالرحمة مقصورة على من يشاء دون العكس (قوله كما فعل) أي تقديم الاسم وتأخير الفعل (قوله والدليل عليه) أي على تقديم اسم الله وتأخير الفعل في هذا الموضع لقصد معنى الاختصاص، بين أولا أن المقام يناسب التقديم والتأخير ليتأدى ما يجب على الموحدين من الدلالة على الاختصاص، واستشهد ثانيا بجملة اسمية شاركت المبحوث عنه في معناه وخبرها ذلك الظرف المخصوص، وقد قدم فيها الخبر لإفادة الاختصاص: أي إجراؤها مجراها ومرساها بسم الله لا بهبوب الرياح وإلقاء المرساة كما يتوهمه أهل العرف، فدل على أن المتعلق في المبحوث عنه مقدم على الفعل أيضا لإفادة الاختصاص فالاستدلال بوقوع تقديم الظرف في أحد المتناظرين على تقديره في الآخر وإن افترقا في أن الظرف في المستشهد به مستقر قطعا وفى المستشهد عليه مستقر على وجه ولغو على آخر فإنه غير قادح. وأما دلالة التقديم على الاختصاص فبالفحوى وحكم الذوق، وهذا الاستشهاد إنما يتم إذا جعل باسم الله تعالى خبرا لمجراها وهو الراجح، لا متعلقا باركبوا (قوله فقد قال) نبه بالفاء على أن السؤال ناشئ عما قبله ومسبب عنه: أي لما وجب أن يقصد الموحد معنى اختصاص اسم الله بفعل القراءة وغيرها وهو بتقديم اسم الله عليها، فكيف أخره في قوله - اقرأ باسم ربك - حتى فات ذلك الواجب (قوله لأنها أول سورة نزلت) أي إلى قوله - ما لم يعلم - كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة وقرره الأئمة في مسألة تأخير البيان، ولا ينافي ذلك قول الأكثرين إن أول سورة نزلت هي الفاتحة لأن الخلاف في السورة بتمامها (قوله فكان الأمر بالقراءة أهم) يريد أن كون اسم الله هاهنا أهم إنما نشأ من قصد معنى الاختصاص لاقتضاء المقام إياه، كأن الموحد يقول: باسم الله لا باسم غيره، دفعا لما عسى يتخالج في وهم المخاطب من الشريك، فسوق الكلام على أن القراءة أمر مسلم، والمقصود بيان ما يبتدأ به فيها من الأسامي، وأما هناك فالمطلوب أصل القراءة فإنها غير معلومة الوجوب لأنها أول سورة نزلت لا تخصيصها، فإن المخاطب ليس مما يتوهم فيه تجويز الشركة، فكان الفعل: أي الأمر بالقراءة أهم فقدم لذلك ولرعاية الأصل الذي هو تقديم العامل. لا يقال: اسم الله أهم عند المؤمن على كل حال. لأنا نقول: اسم الله من حيث أنه اسمه يتعلق به اهتمام وعناية، وقد يعرض له بحسب المقامات عناية أخرى كما إذا قصد الاختصاص، فإذا اجتمعت العنايتان قدم كما في التسمية، وإذا انفردت الأولى عن الثانية، فإن لم يعارضها ما هو أولى بالاعتبار قدم أيضا، وإلا فلا. وفى قوله - اقرأ باسم ربك - عارضها العناية بالقراءة، فكانت أولى بالاعتبار ليتحصل ما هو المقصود من طلب أصل القراءة، ولو قدم اسم الله تعالى لفات الغرض الأصلي، وأفاد أن المطلوب كون القراءة مفتتحة باسم الله تعالى لا باسم الأصنام، ولا يخفى بعده عن هذا المقام. قال المصنف: معناه مفتتحا باسم ربك: أي قل باسم الله ثم اقرأ، فالفعل وإن قدم في هذه العبارة لكن طلب بها قراءة مصدرة باسم الله تعالى كما هو المقصود. والحاصل أن القراء يجب تصديرها باسم الله
Страница 30