وهكذا اتصل الحديث بين الشريدين على هذا النسق الأعلى من الحب ... ماذا؟ أتظنني ساخرا؟! لا وحقك.
فما كان الحب عندهما إلا هذا السباب الذي سمعت، وإن كان كمال يجاري وطنية في السباب على غير حب، إلا أن سبابها هي كان حبا دافقا عارما حب من لا تجد لها بين الناس إلا فتاها هذا، فهو عندها الأب والأخ والأم والصديقة والصديق.
انتهت وطنية من طبخ الطعام وأكلا، ثم انطفأ السراج على اثنين، أما وطنية فمتوجسة شرا مما هددها به كمال من ذلك الغنى الطارئ عليه، معتقدة في عميق نفسها أن المال سيكون نهاية صلتها بكمال، وفي هذه النهاية نهايتها هي، وأما كمال فيحلم بذلك الغد القريب حين يمسك بالمقروطة، ويسعى بها إلى المجد الذي أعد لنفسه مراتبه ومراقيه.
6
صحا العمدة من غفوة القيلولة وصلى فرض العصر، وخرج إلى شرفة الدار ينتظر رفاق سمره الذين تعودوا أن يقصدوا إليه من قبل المغرب، ويقيموا لديه حتى موعد العشاء ثم ينصرفوا.
أقام العمدة وحيدا في يومه هذا بضع لحظات، ما لبث أن أقبل بعدها الحاج إبراهيم الحسيني شيخ البلدة، والشيخ رضوان خطيب الجامع، والحاج علي صاحب الراديو الذي يجتمعون عليه كل مساء منذ أن يتركوا العمدة حتى تنتهي الإذاعة من برامجها.
وقال العمدة: مرحبا ... ولكن أين الشيخ عبد الودود؟ أتراه ذهب اليوم في طلاق أم زواج؟
فأجاب الحاج علي: بل ذهب إلى طلاق في عزبة النمايلة.
وقال العمدة: عظيم إنه يفرح بالطلاق أكثر من فرحه بالزواج؛ فهو يقول إنه حين يطلق المرأة من زوجها يأخذ أجرا للطلاق، ثم يزوج الرجل المطلق من امرأة ويأخذ أجرا، ويزوج المرأة المطلقة من رجل آخر ويأخذ أجرا، فيكسب من جراء الطلاق الواحد ثلاثة أجور بينما لا يكسب من الزواج إلا أجرا واحدا.
فيضحك الضيوف الثلاثة من بعد نظر الشيخ عبد الودود، ويبدأ الحاج إبراهيم حديثا آخر فيقول: ما رأيك يا حضرة العمدة في الولد أحمد أبي قطران الذي يأبى إلا السوء دائما؟! - ما له يا حاج إبراهيم ماذا عمل؟! - عمله أسود!
Неизвестная страница