Война и мир
الحرب والسلم (الكتاب الأول): إلياذة العصور الحديثة
Жанры
غمغم بيير ببضع كلمات غير مفهومة، بينما كانت نظراته تدحج وجوه المجتمعين بقحة. حيا الأميرة الصغيرة بابتسامة مرحة، كما يحيي المرء أحد معارفه المقربين، ثم اقترب من العمة، ولم يكن قلق آنا بافلوفنا دون مبرر؛ إذ إن السيد بيير ترك العجوز الطيبة قبل أن تنتهي من نثرها الموفق عن صحة صاحبة الجلالة الإمبراطورة.
فاستوقفته آنا بافلوفنا مذعورة وقالت له: هل تعرف الأب موريو؟ إنه شخصية هامة. - نعم، لقد سمعت شيئا عن تصميمه حول السلم الدائم، إن المشروع مثير للفضول لكنه لا يبدو عمليا.
قالت آنا بافلوفنا؛ رغبة منها في التلفظ بأي شيء: هل تظن ذلك؟
وأرادت العودة إلى واجباتها كربة منزل، لكن بيير ارتكب خطأ جديدا مناقضا لخطئه الأول تماما؛ ففي المرة الأولى غادر محدثته دون أن ينتظر نهاية حديثها، وها هو الآن يستوقف محدثة ثانية رغم إرادتها! وقف أمام آنا بافلوفنا، مطرق الرأس مباعدا بين ساقيه الضخمتين، يعرض عليها الأسباب التي من أجلها يبدو تصميم الأب موريو خياليا تماما.
قالت آنا بافلوفنا باسمة: سوف نتحدث عن ذلك فيما بعد.
وبعد أن تركت الفتى الذي لا يعرف كيف يتصرف، عادت إلى واجباتها كمضيفة، وكلها عيون وآذان، مستعدة للتدخل أينما وجدت أن الحديث قد خمدت حدته أو خبت ناره، مثلها كمثل معلم النسيج، الذي يروح ويجيء بعد ترتيب عماله، مشرفا على أنواله وآلاته، حتى إذا توقف درار أو ند عن آخر صوت غير طبيعي، أو علا صرير أو بدا خلل، هرع إلى مكان العطب والخلل يصلحه، فيوقف هذا، ويسير ذاك. كذلك كانت آنا بافلوفنا تتجول في بهو منزلها، مقتربة من الحلقات الصامتة، تزكي الحديث بين أفرادها أو الجماعات الصاخبة، تهدئ من حدتها وثورتها؛ فتلقي كلمة هنا وتنقل شخصا إلى هناك، معطية آلة الكلام الظروف الدقيقة المواتية التي تتطلبها المناسبات لاستمرارها على العمل، غير أن تلك العناية الفائقة وذلك النشاط المختلف من جانبها، لم يفلحا في تبديد الكآبة التي أحدثها وجود بيير. تابعته بنظرة قلق، فرأته يتجه نحو الحلقة التي انتظمت حول مورتمارت، ثم ينتقل منها حيث كان موريو يسهب في الحديث. كانت حفلة آنا بافلوفنا أول حفلة يحضرها السيد بيير، الذي تلقى علومه خارج روسيا، وكان يعرف أن كل «أضواء» بيترسبورج على موعد للتلاقي فيها، فكان أشبه بالغلام في دكان بائع الألعاب، يحدق فيما حوله بإعجاب وافتتان، كان يخشى دائما أن تفوته بعض البحوث الرصينة المتعقلة التي يمكنه أن يفيد منها، فلما رأى شخصيات مرموقة، شديدة الاعتداد، مجتمعة في ذلك المكان، توقع أن يصغي إلى روائع فكرية وعلمية، وبدت له المناقشة المستعرة بين الأب موريو والمحيطين به مهمة، فانضم إلى المجتمعين، متحينا الفرصة التي يتوق إليها كل شاب للإدلاء بوجهة نظره.
الفصل الثالث
مقتل الدوق دانجيان1
سارت الأمور في حفلة آنا بافلوفنا على أحسن حال؛ كانت الدرارات تسير في كل أرجاء المصنع، دون توقف ولا تصادم، في منتهى النظام والترتيب، باستثناء «ماتانت» التي لم يبق لها من تتحدث معه، إلا سيدة متقدمة في السن، ذات وجه ناحل جرحته الدموع، كانت تبدو مضطربة غير مستريحة إلى الوسط اللامع التي كانت فيه. انقسم المدعوون إلى ثلاث جماعات: الأولى وجل أفرادها من الرجال، يتزعمها الأب موريو؛ والثانية وقد ضمت معظم الشباب، سطعت فيها الأميرة الجميلة هيلين، وقد جلست على عرش الجمال إلى جانب الأميرة الفاتنة بولكونسكي، فبدت متوردة المحيا، شديدة اللطف، أشد نعومة مما يسمح به سنها؛ وكان محور الالتفاف في الجماعة الثالثة مورتمارت وآنا بافلوفنا.
ومما لا شك فيه أن الفيكونت الشاب، ذا المظهر الأنيق، والقسمات الدقيقة، والأساليب اللطيفة، كان يعتقد أنه شخصية شهيرة لامعة؛ لذلك فإنه لم يترفع عن إرضاء فضول جماعة النبلاء الملتفين حوله، أدب وحسن تصرف. وكذلك لم يفت آنا بافلوفنا بدورها أن تقدمه إلى مدعويها بما يليق به من اعتبار، وكما أن الطاهي البارع، يقدم لزبائنه طبقا يعتبره خارق اللذة، لو قدم في مطعم قذر لما أثار غير الاشمئزاز والتقزز، كذلك قدمت آنا بافلوفنا لمدعويها الفيكونت الشاب أولا، ثم الأب موريو، كما تقدم ألوانا مفضلة من الأطعمة انتقيت بعناية وتدقيق خارقين.
Неизвестная страница