وبالضبط لم تدرك ماذا حدث في اليوم الرابع أو الخامس، كانت في صف الأنفار يقولون لها: مالك يا عزيزة؟ فلا ترد. وفجأة وقعت في الخط، وأفاقت لتجد نفسها تحت «الظليلة»، ولكنها ما كادت تفيق حتى بدأت تصرخ وتزعق وكأنهم يغدرون بها ويمنعونها من أن تعمل. بل قامت فعلا تريد مواصلة العمل، ولكنها داخت وارتعشت ساقاها تحتها ووقعت. وأفاقت لتجد نفسها مبلولة بالماء الذي رشوه عليها.
ورغم حلقها الجاف ورعشتها المستمرة وأزيز الحمى في جسدها فقد كانت لا تزال فرحة أن خطتها تمضي بنجاح، وأن أحدا لا يعرف ولن يعرف أنها الفاعلة. •••
ولكن خطتها قدر لها أن تفشل عن طريق لم تكن قد حسبت حسابه، فالحمى باتت تشتد.
وبدأت عزيزة تخرف.
أم الحسن جارتها في الرقاد بدأت تسمع كلاما غير مفهوم عن جذر البطاطا وابن قمرين وعبد الله والجنين الذي لم يكن يريد أن يكف عن الصراخ.
ومن كلماتها المتناثرة وهمسات النساء وإضافاتهن، تكاملت حكايتها وأصبحت خبرا.
وبدأ خبرها ينتقل من جار إلى جار، ويتسلل حول القفف، ويخطي المواقد، وينبش بين عيدان القش، ويتوقف لدى كل أذن صاغية.
ولم يترك الخبر أذنا لم يتوقف عندها. ولم تترك أذن الخبر إلا وأوقفته وفحصته وترددت كثيرا بين تصديقه وتكذيبه، حتى آذان الصنج سمعت به.
ومع ذلك لم يتعد الخبر ذلك الفضاء الكائن خلف الإصطبلات أبدا. حرص الجميع على كتمانه وكأنه قد أصبح سرهم كلهم، أو عورة كل منهم التي يجب أن يبقيها بعيدة عن أعين الناس وألسنتهم وآذانهم. حتى تعليقاتهم الخاصة عليه بينهم وبين أنفسهم كانت خفيفة ومقتضبة. الرجال كانوا يكتفون بمصمصة الشفاه، وقد كفتهم عزيزة - وما حدث لها وما لا يزال يحدث لها - أي كلمة زائدة أو تعليق خارج، والنساء والبنات طرحن الحكاية جانبا وأصبحت عزيزة كل همهن، يطعمنها ويسقينها ويعاونها في الذهاب إلى الغيط والمجيء، ويمسكن خطها بدلا منها، ولا يجعلن لها من عمل إلا الانحناء حين يمر المأمور أو الخولي.
وحين بلغ الريس عرفة الخبر، وتشاور مع كبار السن من الرجال، رأوا أن تكف عزيزة عن العمل تماما وترقد.
Неизвестная страница