أتم تعليمه في الكتاب، واكتسب من عالم الفضيلة شهامة وكرما وبعض الورع، ولكنه ولع بمغامرة الشباب، والجسارة، وعبادة البطولة، أما العمل في المحل فلم ينشرح له صدره، ولا تجلت له فيه مواهب. واتخذ من بعض أفراد عصابة الفللي أصدقاء، فشاركهم سهراتهم في الغرز، وحتى البوظة طاف بها مرات.
وقلق لذلك خضر، وكثيرا ما كان يقول له: يلزمك قدر كبير من الإرادة والتركيز.
فينظر سماحة إلى شقيقه رضوان بفضول ويقول: لم أخلق للتجارة يا عمي.
فيسأله قلقا: لم خلقت إذن يا سماحة؟
ويشرد ببصره في حرج، فيقول خضر: إن مصاحبة الفتوات واللهو معهم ليس هدفا لأمثالك.
فيتساءل سماحة: ماذا كان أجدادنا يا عمي؟
فيقول خضر بجدية : كانوا فتوات حقا لا بلطجية، ولم يعد لنا من أمل إلا في التجارة والجاه!
رغب في إرشاده وتوجيهه مدفوعا بقوة حبه لأمه، وقد تركزت فيه وفي رضوان وصفية عواطف أبوته المغتالة. حقا لم تعد رضوانة إلا ذكرى، ولكنها ذكرى لا تريد أن تموت.
3
وما يدري خضر سليمان الناجي إلا وسماحة ينضم إلى عصابة الفللي رجلا من رجاله. احتفل الفتوة بانضمام حفيد الناجي إلى أعوانه، وعده أكبر نصر له في حارته. أما الحرافيش فاعتبروا ذلك طورا جديدا من أطوار المأساة التي تطحنهم. وقيل - فيما قيل - إن الله قادر على أن يخلق أحيانا من صلب الأبطال أوغادا لا وزن لهم، وأن عاشور صاحب الحلم والنجاة والعدل الشامل ظاهرة خارقة لا تتكرر.
Неизвестная страница