Правда
الحقيقة: وهي رسالة تتضمن ردودا لإثبات مذهب دارون في النشوء والارتقاء
Жанры
الحياة1
لا أعلم كيف جاز لجناب صاحب مقالة «كشف الأستار عن الأسرار»
2
أن يتوهم بي العدول عن أن الحياة هي الجاذبية أو نوع منها، مع أني لم أعدل حتى الآن، وليس في كلامه: الحياة والجاذبية، ولا في: كشف الأستار عن الأسرار ما يوجب بي سرعة هذا الانتقال، وليس في كلامي شيء يوهمه، ولو كان فيه ذلك لالتمست له عذرا. وأما قولي من مقالتي السابقة: «وإذا تبين ذلك سهل علينا إلحاق هذه الخاصة «أي الحياة» بالجاذبية أو سواها من القوى الطبيعية.» فلا يجوز لأي كان أن يتوهم منه ذلك؛ فهو يحصر الحياة في القوى الطبيعية، وهذا لا يوجب الخروج عن الجاذبية إلى غيرها للمشاركة الكائنة بين القوى الطبيعية واستحالتها بعضها إلى بعض، ولاعتبار الجاذبية أم الباب.
فضلا عن أن قولي في المقالة المذكورة في إثبات الحس للمادة: «فتكون الجاذبية العامة إلخ، عبارة عن حس المادة إلخ.» فيه من التخصيص ما هو كاف لإزالة كل شبهة بإلحاقي الحياة بالجاذبية، فإذا كان الحس نوعا من الجاذبية؛ كانت الحياة بالضرورة - أيضا - منها، وهو - على ظني - كلام صريح لا يحتمل التأويل، ولا يصح أن يؤخذ منه معنى العدول.
وأما قوله: إن الحس لا يصح أن يكون الانفعال؛ لأن من الانفعال ما ليس حسا، وأنه لا يسلم بحس المادة حتى نبين له أن انكسار الحجر بالمطرقة هو حس؛ لأنه انفعال، فنجيبه عليه بما أجبناه به فيما سبق؛ وهو أنه إما أن يسلم بالحس في النبات وفي أدنى الحيوان أو لا، فإن كان الثاني كان اعتراضه في محله، وإنما يبقى عليه أن يفصل الحس عن الحياة ويناقض الفيزيولوجيين ونفسه أيضا، وإن كان الأول - ولا آراه إلا ميالا إليه - ترتب عليه ضرورة أن يفهم بالحس معنى الانفصال فقط؛ لأن الحس فيه هو من النوع غير المعلوم، وهو أشبه بانفعال المادة البسيط.
فما دامت المادة تنفعل فهي تحس، وعليه تبخر الماء بالحرارة، واحتراق العود بالنار، واسوداد نيترات الفضة بالنور، ونفور الجسم المكهرب من كهربائيته، وانجذابه بضدها حس - أي تأثر أي تكيف أي انفعال - فلو لم تكن المادة تحس لما كان الماء يتبخر، ولا العود يحترق، ولا الفضة تسود، ولا المكهربات تتدافع متشابهاتها، وتتجاذب متضاداتها، فانكسار الحجر إذن حس؛ لأن انكساره هو عبارة عن تفرق اتصال في مادته لانفعالها بقوة مقاومة غالبة لقوة أخرى هي موجب اتصالها، فاجتماع مادة الحجر هو لقوة كائنة في دقائقها تفعل فيها جاذبية الالتصاق، وانكساره هو لقوة تفعل في مادته ضد ذلك، كائنة في عمل المطرقة، تحس بها الدقائق المتفرقة، ولو لم تكن تحس بها وبسابقها لما اجتمعت، ولما تفرقت، ولا تكون حجر ولا انكسر.
وأما قوله في قولي: إن ما يسمى مادة لا ينفك عن ملازمة ما يسمى قوة: إنه «دعوى لا أستطيع إثباتها ، وإن جميع الأعمال الحيوية مرجعها إلى القوى الطبيعية والكيماوية»، أنه «ترد عليه شبهاته»، فمردود عليه بما يأتي؛ وهو:
أولا:
القول بأن ما يسمى مادة لا ينفك عن ملازمة ما يسمى قوة ليس بدعوى، بل حقيقة من أثبت الحقائق العلمية، وإذا جاز أن يكون هناك دعوى، فتكون بجانب من يدعي الخلاف، وكيف يصح أن تكون دعوى ومبادئ العلوم الطبيعية تعلمنا أن المادة لا تعلم إلا بالقوة، والقوة لا تعلم إلا بالمادة، وتعلمنا أكثر من ذلك؛ إذ تهمس لنا في آذاننا: أن لا تصدقوا بقوة خارج المادة، فهل له بعد ذلك أن يذهب بنا غير هذا المذهب، ويفيدنا عن قوة بلا مادة، أو مادة بلا قوة، فنسلم لما يقول، ويصفق العلم لاكتشافه طربا، فيرينا الحرارة والنور والكهربائية وجميع القوى الطبيعية والكيماوية، أصلها وفرعها، مجردة عن المادة، والمادة مجردة عن الصفات أو الخصائص أو القوى، سمها كما شئت؟
Неизвестная страница