Правда
الحقيقة: وهي رسالة تتضمن ردودا لإثبات مذهب دارون في النشوء والارتقاء
Жанры
الحيرة علة البحث1
ما أحسن قولكم: الحياة حيرة العلماء! والحيرة هي سبب البحث، وهو علة العلم، ولولاهما ربما لا ينسى الإنسان شيئا، ولكنه بكل تأكيد لا يتعلم شيئا.
قد اطلعت على ما أتيتم به من الإفادة، أما قولكم: وظاهر الاعتراض أنه حاصل من توهم الانقطاع بمعنى الانتزاع، وهو خلاف المقصود إلخ؛ فيوهم بأنه إذا ارتفع هذا الوهم سقط الخلاف، والحال كلا، ولو جاز لي أن أتوهم ذلك من كلامكم لما جاز لي أن أتوهمه فيكم، ولا أن أراجعكم في مسألة ترجع حينئذ إلى أبسط مبادئ الكيمياء والفسيولوجيا، بل كنت متيقنا أن الكلام محتاج إلى بيان آخر. وقد أشرت إلى ذلك بقولي: ولعل له أو لغيره أدلة أخرى إلخ، والانقطاع في هذا المقام أعم مما تقولونه حضرتكم، فهو لا يستلزم بقاء المنقطع في المنقطع عنه، ولا سيما إذا كان الكلام علميا عاما تعتبر فيه المواد والعناصر كأنها مستقلة، فيفهم منه الفصل أيضا.
وسواء كان هذا المعنى محتملا أو غير محتمل، فهو ليس المقصود ولا يغير شيئا من مركز العبارة، ولا من قيمة النتيجة؛ لأن قولكم وهو بمقام الدليل: «ولو انقطع الهواء عن التراكيب المشار إليها لبقيت كل أيامها خالية من أثر الحياة.» لا يفهم منه مرادكم؛ إذ مرادكم بالتراكيب المشار إليها التراكيب المنقطع عنها الهواء الخارجي، والتي ماتت جراثيمها، وهو غير مذكور، ولو كان مذكورا لارتفع كل لبس في فهم المقصود، ولا يرتفع هذا الالتباس بالنظر إلى إصلاح معنى لفظة انقطاع كما أسلفتم؛ لأنه إذا كان المراد بانقطاع الهواء عن المركبات عدم وصول الهواء الخارجي إليها مع بقاء هوائها المتخلل فيها، فالمسألة لا تزيد وضوحا، أليس الهواء المتخلل تلك المركبات والمنفصل عن الهواء الخارجي هواء أيضا مركبا من مزيج قاعدته الحيوية الأكسجين؟
وإذا كان كذلك، فلماذا لا يصلح هو نفسه لأن يولد حياة كما يصلح لأن يحفظ حياة، حتى تكلف لمساعدته جراثيم وبذور عجزت أقصى الامتحانات عن إظهار حقيقة وجودها، وإن قلتم: كلا، بل النتيجة في ذلك متوقفة على تنقية الهواء وعدمها، قلت: إن ذلك لم يذكر هناك، فضلا عن أنهم لم يتفقوا على أية درجة تحصل هذه التنقية فيه، وإن اتفقوا على مبدئها. وطالما الاعتراض مقبول لا يمكن الحكم لفريق دون آخر، ولقد عدلتم كل العدل بإيرادكم أقوال الطرفين، ومبادئ امتحاناتهما المتفقين عليها ، ونتائجها المختلفين فيها من هذا القبيل، فنكتفي بها هناك عما يحسب ذكره هنا إعادة، ونقتصر على ذكر ما يمكن استخلاصه من كل هذه المحاورات الطويلة والامتحانات الدقيقة.
وغاية ما هناك أن أقوال كل من الطرفين ذات قيمة واحدة، والنتيجة من كل ذلك سلبية لغاية الآن؛ أي لا تؤيد مذهبا ولا تنقض آخر، فلا وجه لحاكم بينهما بالعدل أن يبشر بفوز أحدهما إن لم يكن له أسباب وأدلة أخرى توجب له ترجيح القول، وإن قلتم: إن الاستظهار الذي أشرتم إليه سابقا مسند إلى امتحانات الدكتور «تندل» - كما ذكرتم أخيرا - قلت: إنها لم تسلم من الاعتراض.
وقد ذكرتم حضرتكم بعض أوجه علتها، وكنت أترقب أدلة أخرى من غير هذا الباب؛ لأنه طالما بقي البحث محصورا في دائرة الامتحان على تولد البكتريا، مع ما فيه من الصعوبة الواضحة التي توجد لكل خصم حجته، ولم يساعد بمراقبات أخرى طبيعية، ربما اشتغل الفريقان زمانا أطول مما يظن، ولم يأتيا على نتيجة واحدة؛ لأنه لو سلم بأن السوائل الممتحنة الموضوعة ضمن أوعية زجاجية محكمة السد بالصهر هي منفصلة بهوائها عن الهواء الخارجي، لا يزال في المسألة صعوبتان كليتان؛ إحداهما: صلاحية الهواء الداخلي للحياة الذاتية، والثانية: درجة إماتة الجراثيم بالحرارة.
ومهما قيل في ذلك فما يدعيه الواحد بحجة ينكره عليه الآخر بحجة أيضا، وكلاهما يدعي الفوز له، ولا نتيجة مرضية من كل ذلك، فلا بد للوصول إلى نتيجة واحدة من النظر في هذه المسألة من وجه آخر، وبما أن حضرتكم استخلصتم بذكر فكركم بالترجيح بين القولين، جاز لي أيضا أن أذكر فكري من هذا القبيل، بعد أن وضح أن لا نتيجة مرضية من كل ما تقدم، فأقول: إن مذهب الجراثيم أم الأنواع يقضي بالجزم بوجودها منذ البدء، وهذا يقضي بأن تكون محصورة العدد لا تزيد ولا تنقص، ويقضي أيضا بأن تفعل هذه الجراثيم عند مناسبة الظروف لها على نسق واحد أبدا؛ أي على نسق النظام الذي صنعت بموجبه، وهذا يقضي بأن تكون مستقلة في صفاتها، ويقضي أيضا بأن يكون لكل عضو - حسب نوعه - وظيفة ما، وهذا يقضي بأن لا تكون موجودة أعضاء تسمى أثرية، والحال أنا كثيرا ما نرى في الأنواع أفرادا تشذ عن القياس الطبيعي النوعي في بعض صفاتها؛ مما يدل على أن بينها وبين الأنواع الأخرى من جنس واحد، ومن جنس آخر أيضا، كما بين الحيوان والنبات نسبة تكوينية، حتى يرى جلد معزى في جلد إنسان مثلا، وأمثال ذلك كثيرة في التاريخ الطبيعي.
ونرى أيضا أكثر من ذلك؛ إذ يشذ أحيانا كثيرة المتولد عن قياس النوع، ونرى أيضا أعضاء يسمونها أثرية لا وظيفة لها، على أن الحكمة تقتضي أن تكون هذه الأنواع المتضمنة منذ البدء في جراثيم خصوصية مستوفية الخلق، محدودة الصفات في نوعها، وذات أعضاء معلومة الوظائف في نفسها، ولا يمكن خلاف ذلك؛ إذ تفقد حينئذ أهمية هذا التقييد التكويني، أي أهمية الجراثيم، فهذا ما أريد أن أوجه إليه فكركم الآن، ولعل في مثل هذا البحث أعظم وسيلة للوصول إلى الغاية.
هذا وإني استغربت جدا قول حضرتكم: «وأما إذا اعتبر الدين، فالإيمان عندنا مقدم على العيان إلخ.» وعلى فرض صحة القائلين بالتولد الذاتي، فأي ضرر من ذلك على الدين؟ على أن بين موضوع بحثنا والدين فراسخ؛ لأنه كيف كانت نتيجته - سواء كانت موافقة للنصوص الدينية المألوفة أو غير موافقة - فلا تمس أهمية الدين بشيء، كما أن اكتشافات دوران الأرض لم تؤثر بحركة شمس «يشوع بن نون»، وكما أن الاعتقاد العميم بأن الله موجود في كل مكان لم يؤثر بأهمية القول: أبانا الذي في السماوات، وكما أن معرفة الفلكيين حقيقة السماوات، وأنها لم تعد قبة زرقاء مرفوعة فوق الأرض، بل هي مجال فسيح تسبح فيه الأجرام السماوية، ومنها أرضنا هذه، لم يغير شيئا من قول موسى عليه السلام، وخلق الله الجلد فاصلا بين المياه تحت الجلد والمياه فوق الجلد، وغير ذلك من المسائل التي رفض العالم الديني البحث فيها أولا؛ زعما منه أنها تمس الدين، وأخيرا قبلها كحقيقة راهنة قبل غيره.
Неизвестная страница