Правда
الحقيقة: وهي رسالة تتضمن ردودا لإثبات مذهب دارون في النشوء والارتقاء
Жанры
تعتبر بإجماع الكيماويين من المركبات التي دقائقها ذات حجم من أكبر الحجوم، فلو كانت هذه الدقائق مركبة فيها تركيبا مختلطا كالأنسجة التشريحية لما خفي ذلك علينا، وبما أن البروتوبلاسما تعتبر في طبعها كالمواد المذكورة كانت تعتبر متجانسة نظيرها طالما لا يعرف عنها ما ينقض ذلك، ثم إن كان المراد بالتعضي ترتيب أجزاء متماثلة أو مختلفة ترتيبا خاصا معينا، فالأولى أن يطلق على المركبات الأخرى الكيماوية لا على البروتوبلاسما؛ فإن دقائق تلك المركبات مرتبطة بعضها ببعض ارتباطا شديدا يجعلها أثبت من البروتوبلاسما المتغيرة على الدوام، والتي تمتاز عن سواها من المركبات بعدم ثبات تركيبها، وإذا اعتبرنا أن أقرب المركبات المذكورة إلى البروتوبلاسما ما كان منها أقل ثباتا من غيره؛ جاز لنا حينئذ أن نعتبر مثل هذه المركبات الفاقدة كل ثبات الحلقة المتوسطة بين الجماد والحي، فإنها تختلف عن الجماد بعدم ثباتها، وعن الحي بعدم اقتدارها على استرداد تركيبها مع هذا التغير، بخلاف البروتوبلاسما - كما تقدم - فإن تركيبها الكيماوي يتغير على الدوام مع بقاء صفاتها الحية، كأنها الزوابع التي تتكون في مجاري المياه وفي البحار؛ فإنها تحفظ ذاتها زمانا طويلا مع تغير دقائقها دائما.
وقد انتبه الفيزيولوجيون إلى هذه المشابهة منذ زمان طويل، فكوفيه شبه الحي بهذه الحلقات الزوبعية، وهكسلي يشبه بها كذلك إشارة إلى بقاء الحي على صورته مع تجدد أجزائه. وصحة هذا التشبيه أكثر ظهورا في البروتوبلاسما نظرا لبساطتها بالنسبة إلى الحي المركب من أعضاء وأنسجة مختلفة؛ فليس في مادتها سوى تركيب كيماوي فقط، وهي مع ذلك مقر لحركة خاصة تتناول من الخارج دقائق تحفظها في جوهر مادتها مدة معلومة ثم تنبذها وتأخذ غيرها، وهكذا كما تفعل الحلقات الزوبعية المذكورة. وبهذه الحركة تمتاز حقيقة البروتوبلاسما الحية عن المواد الألبيومينية وسائر المركبات الكيماوية، فالحياة البروتوبلاسما نفسها، بل الحركة التي تحركها.
بقي علينا أن نعرف طبيعة هذه الحركة؛ فقد تقدم أن الطبيعيين والكيماويين كانوا في أوائل هذا القرن يحسبون القوى أنيات مستقلة بعضها عن بعض، ثم تحققوا بعد البحث أنها ليست سوى استحالات قوة واحدة هي الحركة، وجواهر المادة - كما يتحصل من مباحث طمسن التي مال إليها مشاهير علماء الكيمياء كورتز وغيره - ليست سوى زوابع في الهيولي وجميع ظواهر الجاذبية والألفة ناشئة عن استحالات الحركة، وكل شكل من الحركة يولد نظيره، فإذا صدم جسم جسما آخر تحرك الجسم المصطدم بحركة الجسم الصادم، فالجسم السخن يسخن الأجسام التي حوله، والمنير ينيرها، والمكهرب يكهربها.
وتحويل هذه القوى بعضها إلى بعض لا يخفى على أهل العلم، ولا يخفى عليهم أن هذه الحركات كلما تركبت عسر تحويلها، ويعلمون كذلك أن هذه الحركات لا تتلاشى. وقد تحقق بالبرهان كما بين هلمهلتز وطمسن أن الحلقات الزوبعية التي يشبهون بها الجواهر الفردة أبدية أزلية لا تقبل القسمة. ومعلوم أن الجواهر الفردة كالحلقات الزوبعية المنتشرة في السائل المتكونة فيه حركات في هذا السائل، لا أنها أجزاؤه نفسها، فذاتيتها قائمة بهذه الحركات، إلا أنه لا يعلم إذا كانت أجزاء الهيولي التي تؤلف الجوهر الفرد لا تتجدد دائما؛ لأن هذه الأجزاء لا تظهر لنا إلا بعد دخولها في الزوبعة، فإذا كان ذلك فالأجسام لا توجد إلا بنوع من التغذية شبيه بما يحصل بالبروتوبلاسما.
ومهما يكن من ذلك، فإننا نرى بهذا المثل أن الحركة في الهيولي تولد ذوات حقيقية ثابتة يفعل بعضها في بعض، متغيرة إلى ما لا حد له بدون أن تفقد استقلالها، مظهرة بدوام نوع اهتزازاتها أنها تحفظ نوعا من الذكرى لما يؤثر فيها. نعم، إن ذلك ليس الحياة كما يراد بها، إلا أن معرفتنا بأن صور الحركة كلما تركبت واختلطت كونت أجساما تقترب أكثر فأكثر من الأحياء لا تكون بدون فائدة.
لنفرض أن حركات متشابهة أو مختلطة تتناول بعض الزوابع المتكونة في الهيولي وتركبها عوضا عن أن تتناول الهيولي نفسها، فإن هذه الزوابع لا تبقى على حالها؛ لأن اشتراك الحركات حينئذ لا يحدث عنه نفس الحركات؛ أي إنه لا يتولد عن تركب الزوابع أو الجواهر نفس هذه الجواهر، بل ينشأ عنها كائنات أخرى مختلفة عن الدقائق التي تؤلفها ذات حجوم معينة على الدوام بدون أن تفقد جوهرها، حافظة فيها نوعا من الذكرى للتأثيرات السابقة الطارئة عليها، أي إنه ينشأ عنها أنواع البروتوبلاسما.
فإذا كانت أنواع البروتوبلاسما قد تكونت من هذه الحركة في أول الأمر كما تكونت العناصر، فربما لم يكن تكونها كيماويا أو بفعل الطبيعة ممكنا اليوم كعدم إمكان ذلك في العناصر، وربما كانت أنواعها المتولدة في هذا الطور متعددة كما أن العناصر متعددة، إلا أن ذلك لا يجعل الحياة من مصدر آخر غير مصدر القوى الطبيعية؛ فالحياة كسائر القوى نوع من الحركة، وبهذا الاعتبار يجوز أن يقال: قوة حيوية، كما يقال: ألفة كيماوية إلا أنها غير القوة الحيوية للحيويين، فهي هنا خلاف لتلك كسائر أنواع الحركة خاضعة لناموس الميكانيكيات، وهي للبروتوبلاسما كالألفة للمعادن ذات أفعال معينة تضاف إلى القوى الطبيعية، لا أنها تعرض على المادة فتبطل فعل هذه القوى منها، وعليه فإن كان المراد بمذهب النشوء تولد حي من لا حي بفعل القوى الطبيعية المنتشرة في العالم؛ فهذا يصعب نقضه، وهو كائن بالبروتوبلاسما، وإلا فإن كان المراد به حصول التولد الذاتي اليوم، فربما لم يكن ذلك ممتنعا، إلا أنه غير ضروري لمذهب النشوء.
وأما بعد ذلك فكوفيه صاحب ثبوت الأنواع، وهكسلي صاحب تغيرها إلى ما لا حد له يلتقيان عند هذه النقطة، وهي «كل حي من حي». وتوجد اليوم أيضا في البحار والمياه العذبة حتى الأرض الندية كائنات بسيطة تعد من أقرب الصور الحية إلى الصور الأصلية كالمونير والباثيبيوس والبروتوباسيبيوس وأشباهها، على أن الآراء في التولد الذاتي مهما اختلفت فإنها متفقة على حصول ذلك بقوى الطبيعة؛ أي بالنشوء كما تكونت سائر العوالم بالنشوء أيضا.
والعقل لا يأبى ذلك، ولا سيما بعد أن مهد العلم له سبيل القول بوحدة الكون بما قرره من الارتباط بين العوالم، ولا يرى فيه ما يحط بشأن الخالق عند المؤمن، خلافا لما يظن أن كل ما خالف ما قام في مخيلته هو جهل وبطلان وضلال وبهتان. وهذه دعوى لا يقولها إلا مثل من لا يرى العلم إلا في تخريفه. سئل أحد كبار العلماء والفلاسفة المؤمنين: ما قولك في مذهب دارون؟ وكيف نصنع معه بخلق الأنواع؟ فقال: «إذا كان الذي يصنع ساعة يعد عظيما، فلا شك أن الذي يصنع ساعة تصنع ساعة يكون أعظم أيضا.» ا.ه.
الخاتمة
Неизвестная страница