Правда
الحقيقة: وهي رسالة تتضمن ردودا لإثبات مذهب دارون في النشوء والارتقاء
Жанры
وهذا ما دعا السير «وليم طمسن» إلى القول بأن الحياة إنما نشأت على الأرض من جراثيم أتتها محمولة على رجم الأجرام السماوية لما فرضه من عمر الأرض - كما تقدم - ولما علم من وجود مثل هذه الجراثيم الحية في هذه الحجارة المنقضة، فقول طمسن بها - كما ترى - ليس تخيلا حتى يرمى بقولك: «إنه طار في مركبة الخيال.» وهو تعليل طبيعي في الفرع والأصل، إلا أن دارون في ملاحظته على تحديد طمسن يقول أيضا: «على أن الفرق العظيم بين هذه الحدود يدلنا كم هي الأدلة ضعيفة» إلى أن يقول أيضا: «وقد يمكن - كما أشار إليه السير «طمسن» قصدا - أن الأرض كانت في أطوارها الأول معرضة في أحوال الطبيعة لتغيرات أسرع وأشد مما هي الآن، فحصلت تغيرات أسرع كذلك في الأحياء التي كانت تقطن سطحها في هذه الأزمان البعيدة.» ا.ه.
والحق يقال: إن مذهب الانتقال وإن كان يعلل به أشياء كثيرة لا تفهم بدونه، لكن لا ينكر أنه ناقص كما بسطه دارون، قال بربر في كتابه «طوائف الحيوان» - المطبوع بباريز سنة 1881: «إن الأسباب الأولى التي أحدثت الاختلافات الشخصية، والتي لا بد من أن كانت كثيرة جدا، لا تزال مجهولة، ويلزم تعيينها وتعيين سبب العقر في الناتج من تصالب الأنواع، وكذلك المسافات التي يلزم قطعها من النقاعيات حتى الإنسان شاسعة جدا.» لكنه يقول أيضا: «إن تلك مسائل يلزم اكتشافها، ولا يصح أن تكون اعتراضات على مذهب التسلسل، وأي مذهب كيماوي أو طبيعي لا اعتراض عليه.»
ولا يخفى أن المشهور عن الناتج من تصالب الأنواع كالبغل أنه عقيم، لكن يظهر أن هذا العقم ليس مطلقا، وإذا اعتبر ذلك تضعف القيمة التي تبنى عليه من حيث فصل الأنواع. ذكر «ماتياس دوفال» - في جريدة العلم الفرنسوية بتاريخ 26 ك2 سنة 1884 - أن «سنسون ذكر حوادث كثيرة ثابتة فيها حملت البغلة من الحصان، وقال أيضا: إنه من بضع سنين كان في بستان الداجنات بباريس بغلة مع أولادها الثلاثة؛ اثنان مولدان منها، ومن حصان جزيري، والثالث من حمار مصري، قال: وكذلك ذكر بوفون أن كلبا وطئ في 28 آذار سنة 1773 ذئبة لأحد الأمراء المسمى سيونتين بوفور، فوضعت الذئبة في 6 حزيران من السنة عينها أربعة أجراء: أنثى واحدة، وثلاثة ذكور، وقد حملت الأنثى المذكورة من أحد الذكور في كانون أول سنة 1775، ووضعت في آذار سنة 1776 أربعة أجرية: ذكرين وانثيين، واعتنى بوفون بتربية زوج منها، فحملت الأنثى من الذكر في كانون الأول سنة 1778، ووضعت في آذار سنة 1779 سبعة أجرية.» ا.ه.
وأمثلة ذلك كثيرة، وهذا يقوينا على تصديق ما ذكره الدميري في حياة الحيوان الكبرى، قال في وصف البغل: «وهو لا يولد له، لكن في تاريخ ابن البطريق في حوادث سنة أربع وأربعين وأربعمائة، أن بغلة بنابلس ولدت في بطن حجرة سوداء وبغلا أبيض، قال: وهذا أعجب ما سمع.» ا.ه. ولعل الأحياء الأولى كان عقيمها أكثر من منتجها لأسباب لا نعلمها، ثم انفصلت المنتجة بالانتخاب الطبيعي، وغلب فيها ذلك بالوراثة فتكاثرت الأنواع، وهو ظاهر.
خاتمة
في أن مذهب دارون لا ينقض إيمان المؤمنين
لقد ضيق خصوم هذا المذهب المذاهب على أنفسهم بتحاملهم عليه من أجل الإيمان، وهذا ليس من الحكمة في شيء، ولا سيما أن هذا المذهب آخذ بالامتداد يوما فيوما، وربما لا يمر ربع جيل حتى يخلو له الجو من كل معارض، على أن مجال الإيمان أوسع من أن يضيق بمذهب النشوء - كما أشرت إلى ذلك في رسالة وضعتها في الأخلاق - بحسب مذهب دارون - وأرسلتها إلى المقتطف في 12 مارس سنة 1883 لتنشر فيه ولما تنشر - وكان ذلك على أثر الخلاف الذي حصل في المدرسة الكلية، وانتهى بفصل بعض أساتذتها بسبب مذهب دارون في الظاهر.
وأما في الباطن فقل: إن السبب كان غير ذلك، أو كان كما قال لي بعضهم: «ليست رمانة، ولكن قلوب ملآنة.» وقد قصدت فيها وقتئذ التوفيق بين هذا المذهب والدين حسما لهذا الخلاف الذي لم تكن نتيجته لتحمد، وقلت من كلام في ختامها ما نصه:
وهذا المذهب قد هاج الخواطر ضده في نفس إنكلترا وطن دارون، وقد أورد دارون كلام امرأة ساءها مذهبه في مقابلة أخلاق الإنسان بأخلاق النحل، قالت: «إن الساعة التي يتأيد فيها هذا المذهب ينتقض بنيان الفضيلة في البشر.» فأجابها دارون بقوله: «من الواجب أن نرجو ألا يكون دوام الفضيلة على هذه الأرض قائما على قواعد واهنة بهذا المقدار.» على أن الخوف في غير محله، ولا يشف كلام دارون عنه، لأنه إن صح أن أصلنا يعود إلى ذوات الأيدي الأربع التي كانت تقطن غابات العالم القديم، فلا خوف علينا أن نرجع نتعرش على الأشجار، ولا ينقص قدرنا عما نحن الآن أناس بين الملائكة والحيوان، أقرب إلى الملائكة تارة، وأقرب إلى الحيوان أخرى، كذلك أيضا إذا صح أن الضمير تولد في الإنسان - كما يقول دارون - فلا خوف علينا أن نرجع إلى الضحايا البشرية، وإلى أكل بعضنا بعضا، وقتل أولادنا.
على أن مذهب دارون قد جعل في ضمائر كثيرين خوفا آخر حقيقيا، وهو نفسه قلق منه قبل غيره، ألا هو الخوف على خلود النفس، وعلى كل الأفكار الروحانية التي هي رجاء الإنسان وعزاؤه، لكنهم في خطأ من شدة خوفهم؛ فإنهم كانوا سابقا يقولون بخلق خصوصي لكل نوع، وللإنسان خاصة، وهو قول لا يمكن تأييده فيما يمس جانب الله، إذا بين العلم الذي لا ينطبق هذا القول عليه أن الأنواع، ومنها الإنسان، قد تكونت بفعل النواميس الطبيعية الواحدة، أليس في التعليل عن العالم بنواميسه الخاصة زيادة عظمة للقوة التي سنت هذه النواميس؟ ماذا يذيع مجد الله أكثر: أفلك الأقدمين الدوار الذي هو سقف مرصع بمسامير من ذهب، أم العوالم التي لا تحصى الخاضعة لناموس الجاذبية العام؟
Неизвестная страница