Правда
الحقيقة: وهي رسالة تتضمن ردودا لإثبات مذهب دارون في النشوء والارتقاء
Жанры
وقال أيضا: إنا ذكرنا الحياة ولم نعرفه ما هي، والحال أن موافقته لنا في ملازمة القوة للمادة والمادة للقوة لا تجوز له هذا السؤال، وهل يا ترى في إمكانه أن يعرفنا ما هي الحياة على مذهبه، أو مذاهب أصحاب ما وراء الطبيعة، ببيان مشبع أقرب إلى العقل من بيان الطبيعيين؛ فإن علماء الطبيعة لما كان غرضهم في البحث عن أشياء هذا الكون تقرير خصائصها، ومعرفة أحوالها، لم يكن يهمهم من ذلك كله إلا الوقوف على أسباب ظاهرة كافية للتعليل عن كل ما يحصل فيها.
وقد عرف بالاختبار أن المواد كلها ذات خصائص أو قوى تتحول فيها، وتكون بسيطة في البسيط، ومركبة في المركب، سموها تارة طبيعية، وتارة كيماوية، وتارة حيوية، بحسب ظواهرها في المواد المختلفة، لا أنها قوى مختلفة بعضها عن بعض بالطبع، فكلها بالحقيقة طبيعية، فكما أنه في إمكان المادة الأولى التحول إلى مواد كثيرة مختلفة جدا في الصورة، كذلك في إمكان القوة الأولى المتصلة بهذه المادة التحول إلى قوى كثيرة مختلفة في الخصائص.
أما إلماعه إلى الغاية والنظام المقصود، فمنقوض بما في الحيوانات والنباتات من الأعضاء الزائدة التي يسمونها أثرية، والتي لا فائدة لها، وفيما يسمونه حكم الضرورة، فمثال الأعضاء التي لا فائدة لها: الأسنان القواطع في أجنة كثير من الحيوانات المجترة، فهذه تكون في سمك عظم ما بين الفكين ولا تبرز أبدا؛ ولذلك لا فائدة لها، فما الغاية من وجودها؟ والإنسان في غنى عن تحريك أذنيه، فما الفائدة من العضلات المرتبطة بهما؟ وربما اكتسب الإنسان بالمزاولة والتمرين القدرة على تحريكهما، وأما فائدتها فظاهرة في بعض الحيوان.
ومن هذا القبيل أيضا العيون الأثرية التي لا تبصر في بعض الحيوانات، التي تقطن الكهوف أو تقيم تحت الأرض، وفي أكثر ذوات الفقار يوجد زوجان من الأطراف: زوج أمامي وزوج خلفي، ويكون أحد هذين الزوجين ضامرا غالبا. وفي النادر يكون الاثنان ضامرين كما في الحيات، على أن بعض الأفاعي - كالبوابيتون - له زائدتان عظميتان في القسم الخلفي لا فائدة لهما، وإنما هما أثران لطرفين كانا موجودين في أجداده. وأمثلة ذلك كثيرة جدا في الحيوان والنبات كما لا يخفي على علماء هذين الفنين، وفي هذا القدر كفاية لغرضنا.
فلو كانت الغاية موجودة لما وجب أن يكون في هذه الكائنات شيء لا فائدة له، وربما كان مضرا أيضا. وكم حار علماء طبائع الحيوان والنبات بهذه الأعضاء الأثرية قبل دارون، وذهبوا فيها مذاهب شتى حتى ظهر مذهب دارون، فقطعت جهيزة قول كل خطيب؛ لأن كل عضو لازم نما بالاستعمال، وكل عضو لا لزوم له ضمر لعدم الاستعمال، فعرف أن الأعضاء الأثرية كانت أعضاء نامية في أجداد كانت لازمة فيها، وضمرت حيث لم يبق لها لزوم، وفي البعض زالت بالكلية، فلا دخل للغاية هنا، وإنما الدخل للضرورة.
وما نراه من النظام فهو كذلك ضروري لا مقصود؛ لأن التغير الحاصل في جزء من أجزاء هذا العالم يتبعه تغير في سائر الأجزاء على حكم الضرورة كنتيجة لسبب، فإذا كانت العوالم موجودة على النظام الذي نراها فيه؛ فلأنها هي من الارتباط بعضها مع بعض؛ بحيث لا يمكن أن تكون على خلاف ذلك، فلو تغير نظام أحدها لوجب أن يكون التغير شاملا لعموم النظام؛ ولذلك لم يكن الكون بعضه بالنسبة إلى بعض، ولا هو كائن ولن يكون إلا منتظما وإن اختلف في الأزمنة الثلاثة؛ لارتباطه بعضه ببعض، وجريه على سنن شاملة لجميعه، وكذلك يقال في الارتقاء؛ فإن العالم لا يسير إلا متقدما لضرورة تغلب الأنسب في منازعة هذا الوجود، كما هو مقرر في مذهب دارون.
الباب الثاني
في ثبوت مذهب دارون وفساد نقيضه
وفيه ديباجة وسبعة فصول
الديباجة
Неизвестная страница