Правда: очень короткое введение
الحقيقة: مقدمة قصيرة جدا
Жанры
كيف يمكن تفسير عملية انعكاس الترتيب الزمني، التي قلبت الترتيب الحقيقي (الدماغ-البشرة) إلى الترتيب النفسي (البشرة-الدماغ)؟ بالطبع، الحافز المسلط على البشرة يتعرض مثله مثل الحافز المسلط على الدماغ للفاصل الزمني البالغ نصف ثانية قبل أن يصل إلى الوعي؛ ولذا فإن التفسير الوحيد لهذه النتيجة المدهشة هو أن الدماغ يحدد زمنا سابقا لبداية التجربة الواعية للحافز على البشرة؛ فبدلا من أن يشعر به المريض في توقيته الحقيقي بعد 700 ملي ثانية، فإنه يشعر به ظاهريا بعد 200 ملي ثانية؛ أي بعد تحفيز البشرة مباشرة. ومثلما يغير فني الرقابة على البرامج التليفزيونية ترتيب مشهدين في أي عرض مباشر، يخدعنا دماغنا بشأن الحدث الذي وقع أولا. وهكذا، ليس هناك أي ضمان لأن الترتيب الذي ندرك به الأحداث يتفق فعليا مع ترتيب وقوع الأحداث.
لعلنا نعتبر تأخير إدراكنا الحسي عن الحاضر شيئا مزعجا، ولكنه ليس أمرا ذا أهمية خاصة، وليس له سوى نتائج عملية قليلة. إلا أن هذا الأمر قد يكون له تداعيات مزعجة للغاية عند اقترانه برؤية معينة (ومنتشرة) لواقع أقسام الزمن الثلاثة. تلك هي الرؤية التي تتلخص في أن الحاضر وحده هو الواقع، وليس الماضي أو المستقبل. ولا تعتبر هذه الرؤية، التي تعرف باسم فلسفة الحاضر، اللحظة الآنية لحظة مركزية في التجربة فحسب، ولكنها أيضا تعتبرها لحظة مركزية في الوجود. فليس فقط كل ما نمر به (الأحاسيس والذكريات والتوقعات) نمر به الآن، بل إن «الآن» هو الزمن الوحيد الموجود؛ فعندما نتحدث عن الماضي وعن المستقبل، نحن في الواقع نتحدث عن سمات معينة للحاضر (مثل عظام ديناصور أو التخطيط لرحلة إلى المريخ). إلا أن الماضي غير موجود على الإطلاق، ولا يكمن حتى في عالم غامض بين الوجود واللاوجود. ولكن إذا كان إدراكنا الحسي لا يربطني إلا بما حدث في الماضي فقط، إذن فأعضاء الإحساس الخاصة بنا لا تستطيع إعطاءنا أي معلومات عن العالم المحيط بنا. في الواقع، الموقف غاية في التعقيد والغموض؛ فلا شيء مما ندركه موجود؛ لأنه بحلول الوقت الذي ندرك فيه أي شيء يكون كل شيء قد اختفى، ومع ذلك كيف يمكن أن تكون تجربتنا بالكامل، والعالم كما نراه من حولنا، ما هي إلا إدراك لشيء غير موجود؟
سبق ورأينا أن أحد أقسام الزمن، بالتحديد الحاضر، لا يمكن اعتباره واقعا وفقا لأحد تعريفات الواقع المعقدة؛ فالحاضر لا يعتبر واقعا وفقا لتعريف نهاية العالم، لأنه في عالم خال من العقول، لا يمكن أن يكون هناك حاضر. والحاضر ما هو إلا نتاج نفسي، ولكنه ليس من المكونات الأساسية لعالم بلا عقول. وما لم نفترض أن العقول من مكونات العالم التي لا يمكن الاستغناء عنها، فهذا أيضا يعني ضمنا أن الحاضر لا يمكن أن يكون واقعا وفقا لتعريف السلحفاة، فليس من الممكن أن يكون أحد المكونات الأساسية في العالم. ولكن ماذا عن أقسام الزمن الأخرى: الماضي والمستقبل؟ على الرغم من أن الحاضر لا يحتل مكانا في الفيزياء، فإن الزمن تمتع لوقت طويل بمكان بارز فيها؛ ففي عالم نيوتن، الزمن هو الموحد العظيم الذي ينسق الأحداث في كل مكان في العالم، وتدفقه المستمر من الحاضر للمستقبل يحدد ترتيبها والمسافة التي تفصل بين بعضها وبعض. إلا أن تطور الفيزياء دحض هذه الرؤية للزمن تدريجيا؛ ف «سهم» الزمن الموجه من الماضي إلى المستقبل لم يعد يرى باعتباره أحد سماته الجوهرية (وإنما باعتباره نتيجة كيفية ترتيب المادة في الكون)، والتزامن يعتمد على أطر مرجعية، والزمن يستطيع التدفق بسرعات مختلفة في الأماكن المختلفة، وهكذا.
ألا تزال الفيزياء تعتبر الزمن واقعا وفقا لتعريف السلحفاة؛ بمعنى أنه جزء لا يتجزأ من الكون، ومكون رئيسي من مكونات الوجود بصرف النظر عن أي شيء آخر؟ على الرغم من عدم اتفاق الباحثين على لا زمنية العالم، فإن ثمة عددا من النظريات المهمة التي طرحت، والتي لا تفترض أن وجود الزمن أمر واقعي بالضرورة. وللدفاع عن هذه الفكرة من المفيد أن نقارن الزمن بالمال. لا أحد يرى المال مكونا جوهريا من مكونات العالم؛ فالمال ببساطة ما هو إلا أداة اخترعت لتيسير المعاملات الاقتصادية. ومع ذلك، فإن هذه المعاملات ممكنة دون وجود المال، كما يشهد نموذج اقتصاديات المقايضة. بالطريقة نفسها، الوظيفة الأساسية للزمن، وهي وصف التغيير، يمكن تأديتها دون أي إشارة للزمن، وذلك بربط العمليات الفيزيائية المتكررة مباشرة بعضها ببعض؛ فبدلا من أن نقول إن النحلة ترفرف بجناحيها 230 مرة في الثانية، وأن قلب الإنسان يدق 75 دقة في الدقيقة، وأن الأرض تلف حول نفسها مرة في اليوم، يمكننا وصف سرعة دقات القلب بأنها تكافئ 184 رفرفة، ونصف سرعة دوران الأرض بأنها تكافئ 108 ألف دقة قلب، أو أن نقول إن رفرفة جناح النحل تكافئ 0,005 دقة قلب. وبمقتضى هذه الطرق الجديدة في الوصف، اختفت جميع الإشارات للثواني والدقائق والأيام. هذه الطريقة الجديدة للحديث عن الزمن طريقة مرهقة، تماما كما أن اقتصاديات المقايضة مرهقة؛ فلكي تحصل على الأصيص الفخاري الذي تود شراءه، عليك أن تحمل معك العديد من السلع، على أمل أن تعجب إحداها بائع الأصص الفخارية لكي يمنحك الأصيص مقابلها. أليس من الأسهل بكثير أن تحمل تلك الأداة المحايدة لتخزين القيمة التي يطلق عليها «المال»، والتي تصلح للتعامل في مواقف عديدة؟ بالمثل، أليس الأسهل أن يكون لديك تلك الأداة المحايدة لتحديد التغيير، التي يطلق عليها «الزمن»، والتي يمكنها أن تعفيك من الاضطرار لقياس كل تغيير في إطار عملية دورية محددة، مثل دوران الأرض؟ يرى مؤيدو نظرية لا زمنية العالم أن خطأنا يكمن في رفع شأن المخترعات المريحة مثل المال والزمن إلى مستوى الكائنات الواقعية وفقا لتعريف نهاية العالم أو تعريف السلحفاة.
على الرغم من أنه وفقا لهذه الرؤية يعد الزمن شيئا غير واقعي، فإن واقع تغيير الأشياء ليست مدعاة للشك بأي حال من الأحوال. ثمة إنكار أكثر تطرفا لوجود الزمن في التطورات الحديثة في مجال الفيزياء. ومن الأسهل فهم المفاهيم الأساسية المتضمنة بالنظر إلى أحد تنويعات نظرية الكون الجامد الشهيرة حاليا. تخيل مجموعة من أوراق اللعب والعثة الآكلة للورق التي تحفر نفقا عبر مجموعة أوراق اللعب كلها، بداية من الورقة العليا وحتى الورقة السفلى. إذا بعثرنا أوراق اللعب، فمن الممكن لاحقا أن نعيد وضعها بترتيبها الأصلي عن طريق وضعها بعضها فوق بعض بحيث نكون النفق الأصلي. هذه هي الفكرة الشائعة لفلسفة الكون الجامد؛ إذ تمثل أوراق اللعب «اللحظات الحاضرة» المتتابعة، ويمثل النفق حركة الكائن في الفضاء الثنائي الأبعاد.
الآن تخيل مجموعة من أوراق اللعب أكبر بكثير، بحيث إنه في كل مكان محتمل يمكن أن يوجد بالورقة ثقب فيه، هناك ورقة بها ثقب في هذا المكان بالتحديد. علاوة على ذلك، يمكن أن تتكرر أوراق اللعب، فمن الممكن وجود ورقتين لديهما ثقب في المكان نفسه، وعشرة ملايين ورقة بها ثقب في مكان مختلف. فالتاريخ، وفقا لنظرية الكون الجامد الشائعة، يتكون من أوراق لعب متجاورة بها ثقوب في مواقع شديدة التشابه. ووفقا للنظرية الجديدة، لا تتمتع الأوراق المتتابعة بالضرورة بهذه السمة؛ فالأوراق المتتابعة يمكن أن تحتوي على ثقوب في أماكن مختلفة اختلافا جذريا بعضها عن بعض. وفي حين أن جميع نظريات الكون الجامد لا تعترف بتدفق الزمن، فإن النظرية الشائعة على الأقل تعطينا انطباعا بأن التاريخ يتكون من سلسلة فريدة من الحالات. فإذا غضضنا الطرف عن الزمن، فسوف نرى منحنى ممهدا عبر مجموعة اللحظات يقابل التغييرات التي يمر بها الكائن عبر الزمن. ولكن وفقا للنسخة البديلة للنظرية، نحن لا نستطيع حتى أن نجد مكافئا جامدا ثلاثي الأبعاد للتغيير الذي يحدث في عالم ثنائي الأبعاد؛ فالواقع أغرب من هذا بكثير.
تتوافق مجموعة أوراق اللعب مع الحالات الممكنة للكون بأسره في لحظة معينة. فتماما كما أن أوراق اللعب التي تحتوي على ثقوب في أماكن مختلفة تماما يمكن وضعها متجاورة في مجموعة أوراق اللعب، كذلك يمكن أن تتكون المراحل المتعاقبة للكون في الزمن من نماذج غير مترابطة من الحالات المتنوعة. وفي حين أن الرؤية الشائعة لنظرية الكون الجامد تفترض أن مراحل الكون المختلفة المتجاورة يشبه بعضها بعضا بطرق شتى، فإن النسخة البديلة للنظرية نفسها تختلف مع هذه الرؤية تماما؛ فمسار التاريخ قادر على القفز على نحو اعتباطي في حيز نسخ الكون البديلة المتباينة.
لكن كيف إذن يبدو العالم كأنه يتغير تغيرا سلسا ، حيث يشبه الحاضر الماضي القريب إلى حد بعيد. فنحن عندما نرى كرة بلياردو تتحرك، نفترض أنه في اللحظة السابقة من عمر الكون كانت نسخة الكرة السابقة إلى يسار النسخة الحالية التي نراها الآن، ولكن يمكن أن يكون الوضع مختلفا تماما وتكون اللحظة السابقة من عمر الكون مختلفة اختلافا جذريا عن اللحظة الحالية. إننا لا نتصور أن هذا ممكن لأن بعض السمات في الحاضر تعطينا انطباعا بأن اللحظة السابقة كانت على نحو معين. وليس هناك أي وسيلة لمعرفة ما حدث في اللحظة السابقة؛ ولذا فإن كل ما نستطيع أن نفعله هو أن نراقب سمات أو تراكيب معينة في الحاضر ونستنتج منها ما كانت عليه اللحظة السابقة.
ولنضرب مثالا ماديا على ذلك؛ افترض أننا جمدنا دماغ راصد أثناء مشاهدته كرة بلياردو تتحرك، سوف يشفر الدماغ المعلومات المتعلقة بموقع الكرة الحالي، ولكنه سيشفر أيضا بعض المعلومات عن موقع الكرة السابق من اللحظات السابقة لمعالجة الخلايا العصبية، بهذه الطريقة توجد لقطات متعددة في الدماغ في الوقت نفسه، ويقوم الدماغ بإنتاج مشهد الكرة المتحركة من الصور المتزامنة للكرة الثابتة. وقد يكون كل هذا ممكنا «حتى إذا لم تحتو اللحظة السابقة من عمر الكون على أي كرة على الإطلاق.» إن بإمكاننا إنتاج منظر التغيير المتضمن في الزمن المتدفق، وكذلك خبرة التاريخ المتغير بسلاسة حتى في العالم الذي تعقب فيه نسخ غير مترابطة من تاريخ الكون بعضها بعضا بطريقة عشوائية؛ ومن ثم فإن طبيعة خبرتنا مع الزمن والتغيير لا يمكن أن تعتبر حجة ضد جواز هذه النسخة الخاصة من نظرية الكون الجامد.
والآن دعونا نتحدث عن الاحتمال الأخير، بدلا من أن نقول إن هناك انتقالا «سلسا» من نسخة إلى نسخة مختلفة من الكون في نظرية الكون الجامد المألوفة، أو انتقالا عشوائيا وثابا في النسخة التي تحدثنا عنها للتو من النظرية، يمكننا أن نقول إنه ليس ثمة انتقال بين النسخ المختلفة للكون، سواء كان انتقالا سلسا أو وثابا؛ فكل صور الكون اللحظية الممكنة واقعية على حد سواء. على عكس نظرية الكون الجامد، لا يمكننا أن نساوي بين الكائنات في الزمن وبين المسارات الموجودة داخل هذا الكون. وعلى عكس ما جاء في النظريات المؤيدة لفلسفة الحاضر، ليس هناك حاضر واحد واقعي، فكل الحواضر واقعية على حد سواء، وتوجد على نحو حاسم في عالم لا زمني مجرد. إن لدينا انطباعا بأننا نعيش في عالم له ماض لأن بعض تراكيب الحاضر الذي نعيشه يمكن تفسيرها كآثار للحواضر السابقة التي سبقت حاضرنا. وهو يحتوي على سمات يمكن تفسيرها كسجلات متسقة بالتبادل مع العمليات التي حدثت في الماضي وفقا لقوانين معينة من قوانين الطبيعة.
Неизвестная страница