169

وأما الإضلال من الله تعالى، فلا يكون من الله تعالى إضلال لأحد، إلا أن يكون جزاء على معصية، قال الله تعالى: {يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين ، الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون}[البقرة:26،27]، وقال تعالى: {كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين}[آل عمران:86]، وقال تعالى: {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون}[المطففين:14]، فصح أن الإضلال من الله جزاء للفاسقين على فسقهم. ويؤيد ذلك قول الله تعالى: {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون}[الأنعام:110]، وكذلك الطبع والختم بكونان أيضا من بعد الكفر والفسق جزاء لهم على كفرهم وفسقهم، قال الله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ، ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم}[البقرة:6،7]، وقال تعالى: {ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم}[محمد:16]، فدل على أنه جزاؤهم لاتباعهم أهواءهم.

وقد ذكر بعض مشائخ المعتزلة: أن الطبع والختم سمة وعلامة جعلها الله في قلوب الكافرين والفاسقين يعرفهم بها الملائكة "، قالوا: لأن الختم والطبع في الشاهد لا يمنع من الكسر.

وقال سائر المعتزلة: الإضلال من الله حكم، وكذلك الختم والطبع، وأنشدوا عليه قول الكميت بن زيد:

وطائفة قد كفروني بجمعهم

وطائفة قالوا مسيء ومذنب

ومما يدل على أن الهداية من الله جزاء، وأن الإضلال من الله جزاء ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((ألا إنه من زهد في الدنيا وقصر فيها أمله أعطاه الله علما بغير تعلم، وهدى بغير هداية، ألا ومن رغب في الدنيا وأطال فيها أمله أعمى الله قلبه على قدر رغبته فيها)).

والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه من أن الإضلال من الله لأعدائه هو الجزاء على عصيانهم قوله تعالى: {إن المجرمين في ضلال وسعر ، يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر}[القمر:47،48]، فصح أن الإضلال هو العذاب، وهو جزاء لهم بما فعلوا.

Страница 233