ولكنه قال بجزع وخوف: هذا مستحيل، أنا لا أستطيع مفارقتك أبدا. - هذا كلام فارغ وعبث طائش، والحب سريع الزوال، أما أثر الجريمة فلا يزول.
فقال بإصرار: لن أفارقك أبدا.
وخشيت إن هي لانت له وطاوعت قلبها أن تقضي عليه، فقالت بصرامة: ينبغي يا هذا أن تذهب سريعا، وإلا وجهت إلي تهمة تحريضك على السرقة.
فبغت الشاب، وأحس بخيبة مريرة، وسألها: أهذا كل ما يهمك من أمر عودتي؟ - طبعا. - أتجدين في القول؟ - وهل هذا وقت هزل؟! - وفيم كانت مودتك لي؟ - وأي مودة هذه التي تهون على النفس ما تهددني به جريمتك؟
فقال الشاب بانفعال شديد: ولكني ارتكبت هذه الجريمة من أجلك أنت! - لقد جئت أمرا نكرا. إن عشاقي الكثيرين ليتوددون إلي بغير ارتكاب الجرائم.
فتنهد عبد المعز تنهد اليائس المغيظ وقال: وإذا كنت تكذبين؟
فقالت وكانت في حالة من الإعياء شديدة: أنت الذي أخطأت فهمي .. نعم إني لا أنكر أني ذكرت في حديثي معك الحب، ولكنه كان حبا بريئا كحب أمك مثلا.
وكان دم عبد المعز يغلي في عروقه غليانا، وكان الغضب يفور في قلبه وينفث أمام عينيه سحائب من دخان كثيف، فصاح بصوت مرتعش النبرات: لا تشبهي نفسك الآثمة بأمي الطاهرة فتقلقي رقدتها الآمنة أيتها العاهرة.
ولم يشف الكلام غليله فلطمها على وجهها - في غيبوبة الغضب - وبصق عليها.
ثم ولى الأدبار فلم يقدر له أن يرى بشاعة الألم الذي قلص أساريرها، ولا الحزن الذي طفر بالشيخوخة على وجهها، ولا رآها تمسح بصقته بيدها ودمعها ينهمل.
Неизвестная страница