يرجون رحمته ويخافون عذابه
أو على أن الإنسان غير مهمل، أى خلقكم على أن تتقوا، وتدل آية أيضا على أن الطريق إلى معرفة الله تعالى والعلم بوحدانية واستحقاقه العبادة النظر فى صنعته والاستدال بأفعاله، قال القاضى وإن العبد لا يستحق بعبادته عليه ثوابا فإنها لما وجبت عليه شكورا لما عدده عليه من النعم السابقة، فهو كأجير أخذ الأجرة قبل العمل. انتهى.
[2.22]
{ الذى جعل لكم الأرض فراشا } صفة ثانية لربكم أو منصوب بمحذوف أى امدح الذى، أو خير لمحذوف أى هو الذى، أو مبتدأ خبره فلا تجعلوا لله، والرابط هو لفظ الجلالة، وضعا للظاهر وموضع المضمر، وإنما ساغ ذلك الإخبار مع اختلاف زمان الجعل الأول، والثانى مضيا واستقبالا، لأن الأول باق أثره إلى زمان الثانى، أو لأن القول مقدر فمقول فيه لا تجعلوا لله أندادا، وعلى هذا الوجه يجوز نصبه على الاشتغال أرجح من الابتداء، والجعل هنا بمعنى التصيير بالفعل، وقد يكون تصييرا بالقول أو بالاعتقاد، ويجوز كونه بمعنى الخلق وعليه ففراشا حال من الأرض مقدرة، ومعنى جعلها فراشا جعلها كالفراش فى التوسط بين الصلابة واللطافة، وفى البسط، حتى صارت مهيأة أن يناموا أو يقعدوا عليها كالفراش المبسوط، فلو جعلها صلبة كالحجر لعسر النوم عليها والقعود، ولو جعلها لطيفة كالماء لم يمكن النوم والقعود على سطحها، ولا دليل فى كونها كالفراش على كونها غير كرية الشكل، لأن الجسم الكبير يتراءى بسيطا ولو كان كريا، فالبيضة على دورها تظهر بسيطة لما صغر جدا كالقملة، وتتبين كرية الشكل وبسيطة بالرؤية والحس. { والسمآء بنآء } معطوفان على قوله الأرض فراشا عطف معمولين على معمول واحد، وكأنهما جملة اسمية معطوفة على الأخرى غير أنهما تسلطا عليهما معنى الجعل واكتسى لفظهما بالإعراب الذى اقتضاه، ولذلك كان عاطفهما وعاطف ما أشبههما حرفا واحدا وأيضا أصلهما هنا مبتدأ وخبر والمبتدأ والخبر جملة يعطفها حرف واحد، وليس كل معمولين معطوفين كذلك، فإذا لم يكونا كذلك كما إذا جعلنا الثانى حالا، وكقولك ضرب زيد عمرا وبكر خالدا، فلما ساغ العطف بواحد لأنه فى التحقيق داخل على العامل أى وجعل السماء بناء، وضرب بكر خالدا، والسماء اسم للسماء الواحدة لا يدل على اثنين فصاعدا، إلا من جهة أل إذا قصدت الدالالة بها على ذلك، فهو اسم جنس يقع على الواحدة وما فوقها من جهة أل كالدينار والدرهم، وقيل هو جمع سماءة، والبناء اسم لما بنى بيتا أو قبة أو خباء، يقال بنى على امرأته وابتنى بها، كناية عن الدخول عليها بالجماع الأول، لأنهم إذا أرادوا ذلك ضربوا عليها بناء من جلد أو كتان أو غير ذلك، وأصل البناء مصدر، بمعنى وضع البيت أو القبة أو الخباء أو نحوهن وتركيبه، فهو من التسمية بالمصدر كالنبات يطلق على خروج الشجر من الأرض، وعلى نفس الشجر، وفى الآية تلويح بأن الله - جل وعلا - لعظم فضله ورحمته جعل الإنسان كالعروس وكذا المرأة، وإن شئت فقل كالملك بكسر اللام فى بيت مفروش معد فيه ما يحتاج إليه، فالسماء كالسقف والأرض كالبساط والنجوم كالمصابيح، وفيه أصناف النبات والثمرات، وفيه الحيوانات والماء، وهذه المنافع عمت الناس فيجب على كل مكلف منهم شكرها، فأفقر الفقراء قد وصلته منافع الدواب، سواء تملكها أو لم يتملكها.
وذكروا عن الحسن
" أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوما لأصحابه ما هذه أو قال ما هذا يعنى السماء فقالوا السماء، قال " هذا الرقيع موج مكفوف غلظها خمسمائة عام، وغلظ كل سماء خمسمائة عام، وبين كل سماء وسماء خمسمائة عام، وبين السابعة ألف مائة عام، وغلظ كل أرض خمسمائة عام، وبين الأرض والسماء خمسمائة عام، وبين كل أرض وأرض خمسمائة عام " "
وعنه صلى الله عليه وسلم
" إنى أراكم تجزعون من حر الشمس وبينكم وبينها مسيرة خمسمائة عام، فوالذى نفسى بيده لو أن بابا من أبواب جهنم فتح بالمشرق ورجل بالمغرب لغلى منه دماغه حتى يسيل من منخرية "
خاطبهم بذلك فى مسير له فى يوم شديد الحر إذا نزل منزلا فرأى رجلا ينتعل ثوبه من شدة حر الأرض، وفى هذا الحديث دليل على كون الشمس فى هذه السماء الدنيا لا فى الرابعة كما شهر. { وأنزل من السماء ماء } المطر وهو إما من السماء أحد السماوات السبع، أو المراد بالسماء السحاب، سمى سماء لأنه علا فأظل، أو لأنه من جهة السماء كما هو ظاهر قول تعالى
أو كصيب من السماء
Неизвестная страница