وقال غيره هذا القول إن أخذ على إطلاقه فيه نظر فإن سورة البقرة مدنية وفيها { يا أيها الناس اعبدوا ربكم } ،
يا أيها الناس كلوا مما فى الأرض
وسورة النساء مدنية وأولها { يا أيها الناس } وقال مكى وهو عالم أندلسى معاصر لأبى عمرو والأندلسى الدانى هذا إنما هو فى الأكثر وليس بعام، وفى كثير من السور المكية
يا أيها الذين آمنوا
وقال غيره الأقرب حمله على أنه خطاب المقصود به أو جل المقصود به أهل مكة أو المدنية، وقال القاضى عياض إن كان الرجوع فى هذ إلى النقل فمسلم، وإن كان السبب فيه حصول المؤمنين بالمدينة على الكثرة دون مكة فضعيف إذ يجوز خطاب المؤمنين بصفتهم وباسمهم وجنسهم ويؤمر غير المؤمنين بالعبادة كما يؤمر المؤمنون بالاستمرار عليها، والازدياد منها، نقله فخر الدين فى تفسيره، وأخرج البيهقى فى الدلائل من طريق يونس بن بكر عن هاشم بن عروة عن أبيه قال كل شىء نزل من القرآن فيه ذكر الأمم والقرون، فإنما نزل بمكة وما كان من الفرائض والسنن فإنما نزل بالمدينة، وقال الجعبرى لمعرفة المكى والمدنى طريقان سماعى وقياسى، فالسماعى ما وصل إلينا نزوله بأحدهما، والقياسى كل سورة فيها { يا أيها الناس } فقط أو كلا، أو أولها حرف تهج سوى الزهراوين والرعد أو فيهما قصة آدم وإبليس سوى البقرة فهى مكية، وكل سورة فيها قصص الأنبياء والأمم الخالية فهى مكية، وكل سورة فيها فريضة أو حد فهى مدنية، وقال مكى كل سورة فيها ذكر المنافقين فهى مدنية. قال غيره إلا العنكبوت، وفى كامل البذلى كل سورة فيها سجدة فهى مكية وقال الدرينى
وما نزلت كلا بيثرت فاعلمن ولم تأت فى القرأن فى نصفه الأعلى
وحكمة ذلك أن نصفه الأخير نزل أكثره بمكة وأكثرها جبابرة فتكررت فيه على وجه التهديد والتعنيف لهم والإنكار عليهم، بخلاف النصف الأول وما نزل منه فى اليهود، ولم يحتج إلى إيرادها فيه لذلتهم وضعفهم ذكره العمانى، وإنما قلت أنا والفخر وغيره دوام المؤمنين على العبادة وازديادهم منها دفعا لتحصيل الحاصل، وهو مردود كما أشار إليه من قال من بحر الخفيف
فلو انى فعلت كنت كمن تسأله وهو قائم أن يقوما
وإنما قالاعبدوا ربكم، ولم يقل اعبدوا الله أو الرحمن أو نحو ذلك إشارة إلى أن موجب العبادة هو الربوبية. { الذى خلقكم } صفة للتعظيم والتعليل، والموصوف ربكم، أما التعظيم فلأنه الخالق ولا يقدر سواه أن يخلق، وفيه مدح، وأما التعليل فلأن الموصول مع صلته كالمشتق، وتعليق الحكم بالمشتق يؤذن بعليته، فكأنه قيل اعبدوا الله لأنه ربكم، ولأنه خلقكم، وهذا صحيح - إن شاء الله تعالى - سواء جعلنا الخطاب للمؤمنين والمشركين، أو للمشركين وحدهم، لأنهم مقرون بأن الحقيق بالربوبية هو الله - جل وعلا - وأنه الخالق كما قال جل وعلا
ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله
Неизвестная страница