" ألا إنه لا صلاة لمانع الزكاة، لا صلاة لمانع الزكاة، والمتعدى فيها كمانعها "
وروى الربيع عن أبى عبيدة، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم قال
" لا إيمان لمن لا صلاة له، ولا صلاة ولا ضوء له، ولا صلاة ولا وضوء لمن لا صوم له، ولا صوم له إلا بالكف عن محارم الله ".
أو الذين نعت للمتقين على طريق المدح، فهو التقوى صلته مدح لما تضمنه بعض المتقين من الإيمان بالغيب، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والإنفاق مما رزقهم الله، وإنما يجعل الإنفاق الذى هو غير زكاة مما تضمنه بواسطة باعتبار أنها للمحاذرة عن النار بكل ما أمكن، ولأن التقوى تستتبع الأعمال الصالحة، ولك أن تقول التقوى الإيمان بالغيب، وتضمنت الصلاة والزكاة ونحوهما من الواجبات فقط، وخص ذلك بالذكر إظهارا لتفضيلها على سائر ما يدخل تحت التقوى، أو الذين مفعول لأمدح أو لأعنى، أو خبر لمحذوف، أى هم الذين، ويجوز أن يكون الذين مبتدأ خبره
أولئك على هدى من ربهم
وإذا جعلناه نعتا للمتقين، فالوقف على المتقين حسن، وكذا باقى الأوجه، إلا إذا جعلناه مبتدأ فالوقف على المتقين كاف، لأنه لو فصل عنه لفظا فقد وصل به معنى، قاله السعد، وقال القاضى تام، والأرجح أن يكون نعتا للمتقين، كأنه قيل المتقين المتصفين بأنهم { يؤمنون بالغيب } الإيمان فى اللغة التصديق، والماضى أمن بهمزة فألف فميم مفتوحة، فالهمزة للتعدية، والألف بدل من الهمزة التى هى فاء الفعل الثلاثى، بوزن أفعل كأكرم، لأن مصدره إفعال بكسر الهمزة لا بوزن فاعل بفتح العين، إذ لم يكن مصدره فعالا بالكسر كان المصدق بكسر الدال صير المصدق بفتحها أمنا من أن يكذبه أو يخالفه، فالأصل أن يقول آمنت الغيب وآمنت النبى محمدا صلى الله عليه وسلم، أى صيرتهما آمنين من أن أكذبهما أو أخالفهما، بالتعدية بالهمزة المزيدة، ولكن عدى بالباء لتضمنه معنى الاعتراف بالقلب واللسان، أو بالقلب، أو باللسان دون القلب، فى حالة الكذب، ولو كان المشهور عندنا معشر الإباضية الوهبية أنه لا يدخل الإنسان فى التوحيد إلا باعتقاد وإقرار باللسان جميعا، وقد يطلق بمعنى الوثوق، فالهمزة للصيرورة نحو أمنت زيدا أى صيرته ذا أمن من أن يكذبنى، يقول ناوى السفر ما آمنت أن أحد صحابة، أى ما أثق أن أظفر بمن أرافقه، وذلك إما على تضمين آمنت بالشىء بمعنى استوثقت، واطمأن قلبى إلى وجوده وصحته، وإما على أن الواثق صار ذا أمن به لم يدخله ريب من جانبه، وتلك الوجوه كلها حسنة فى الآية.
وإن قلت كيف يصح أن يقال صيرت الغيب آمنا، من أن أكذبه، وإنما الأمن يكمن فيمن يمكن منه الخوف؟ قلت يصح ذلك مجازا شبه التكذيب به بمنازعة إنسان ومعاداته بجانب المباعدة فى كل، أو لمنافرة المستلزم ذلك لخوفه، وإن قلت الإيمان التصديق حقيقة والاعتراف مجازا، فإذا عدى بالباء علمنا أنه ضمن معنى الاعتراف، فيلزم اجتماع الحقيقة والمجاز، قلت المشهور منعه، وأجازه الشافعى وغيره، مع أنه لا يتعين ذلك، لجواز أن نقول إنه مستعمل فى حقيقته دالا على محذوف مؤدى للمعنى المجاز، أى مصدقين حال كونهم معترفين بالغيب، كما يقال أحمد الله إليك، أى أحمده منهيا حمده إليك، فإن حقيقة التضمين أن يقصد بالفعل معناه الحقيقى مع معنى آخر يناسبه، من غير أن يقال إنه موضوع لهذا المعنى الآخر على ما يفيده كلام السعد، بل يشير الفعل إلى ذلك المعنى، بواسطة دلالة المقام على تقدير ما يؤدى ذلك المعنى، ولك أن تقول حقيقة التضمين استعماله فى ذلك المعنى الآخر مجازا، مع تلويح إلى المعنى الأصلى بواسطة التزام أو نحوه، هذا ما سمح به خاطرى ولى فى ذلك أبحاث. والإيمان فى الشرع تارة يطلق على التصديق، بما علم بالضرورة أنه من دين سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - كنفى الشركة عن الله سبحانه وتعالى، وإثبات النبوة والرسالة والبعث والجزاء. ومعنى كون ذلك معلوما بالضرورة أنه مشهور، حتى كأنه أمر ضرورى لا يحتاج إلى كسب، ثم ما لوحظ إجمالا كالملائكة والكتب والرسل، كنفى الإيمان به إجمالا، وما لوحظ تفصيلا كجبريل وموسى والإنجيل، اشترط الإيمان به تفصيلا، حتى إن من لم يصدق بمعين من ذلك فهو مشرك، كذا ذكر بعض الشافعية وهو حق كما نقول معشر الإباضية الوهبية، إلا أن جمهورنا يوجب معرفة جبريل وآدم، ولا يمهل المكلف إلى ورود معرفتهما عليه، كما لا نمهله نحن ولا قومنا فى معرفة النبى محمد - صلى الله عليه وسلم - والقرآن، ولا يشرك الإنسان بإنكار نبى لم يتواة، وتارة يطلق على مجموع الاعتقاد والإقرار أو العمل بمقتضى ذلك فمن أخل بالاعتقاد وحده و به وبالعمل فهو مشرك، من حيث الإنكار منافق أيضا، من حيث إنه أظهر ما ليس في قلبه، ومن أخذ بالإقرار وحده، أو بالإقرار والعمل، فهو مشرك عند جمهورنا وجمهور قومنا، وقال القليل إنه إذا أخل بالإقرار وحده مسلم عند الله من أهل الجنة، وإن أخل به وبالعمل ففاسق كافر كفر نعمة، ونريد باسم آخر له وهو لفظ منافق، وإن أخل بالعمل فقط فمنافق عندنا فاسق ضال كافر كفرا دون شرك، غير مؤمن الإيمان التام، وقالت المعتزلة خارج عن الإيمان غير داخل فى اسم الكفر، سواء كفر الشرك وما دونه، وروى الإيمان إقرار باللسان وعمل بالأركان واعتقاد بالجنان، وقيل هو كلام من بعض السلف، واختلفوا - الخوارج - وهم الذين خرجوا عن ضلالة على، فقالت الإباضية الوهبية وسائر الإباضية فيمن أخل بواحد من الثلاثة ما تقدم من إشراكه بترك الاعتقاد أو بترك الإقرار، وينافق بترك العمل، ويثبتون الصغيرة، وقال الباقون كذلك وأنه لا صغيرة، ومذهب المحدثين أن انضمام العمل والإقرار إلى الاعتقاد على التكميل لا على أنه ركن، ونحن نقول انضمامهما إليه ركن وهما جزء ماهيته، وقيل شرط خارج عن الماهية لا ينتفع به بدونهما، وأن ماهيته هى التصديق بالقلب فقط، وأما الإقرار فلإشهار دين الله - تبارك وتعالى - وتعظيمه والدعاء إليه، ونفى أحكام المشركين عن نفسه، وأما العمل فلوجوب الصدق، فمن لم يعمل فقد كذب اعتقاده، وإقراره إن أقر وخرج عن عبادته من أقر له واعترف له، واعتقد أنه عبده، وعلى كلا القولين من أن الإقرار والعمل شرطان، أو شطران لماهية الإيمان يكفى إقراره وعمله فى خلوة عن حضور أحدى، وزعمت الكرامية أن الإيمان هو التلفظ بالشهادتين، سواء طابقه الاعتقاد أم لا، فإن طابقه نجا ولو لم يعمل، وإلا فهو مخلد فى الناس من غير أن يسموه مشركا، فعندهم التلفظ ينفى اسم الشرك باطنا كما ينفيه ظاهرا، ولا ينفى حكمه وهو الجزاء بالنار إن لم يطابقه الاعتقاد، ويبطل قولهم ما وردت به لغة العرب والقرآن والسنة أن الإيمان تصديق بالقلب وإذعانه، وقال أبو حنيفة وبعض الأشاعرة الإيمان تصديق بالحنان وإقرار باللسان، لأن التصديق لما اعتبر بكل من اللسان والحنان، كان كلا منهما جزءا من ماهية الإيمان، ولكن تصديق القلب ركن لا يحتمل السقوط، وتصديق اللسان يسقط لنحو خرس أو إكراه، وهو موافق لما نقوله معشر الإباضية الوهبية، غير أنا نقول إن العمل جزء من ماهية الإيمان، لكن لا يخفى أنه جزء من ماهية الإيمان التام لا من مطلق الإيمان، بدليل انه لا نحكم بالشرك على من ترك العمل، قال الإيمان باق فيمن ترك العمل، ولكنه لا ينفيه، فمطلق الإيمان تركت ماهيته عندنا بالاعتقاد والإقرار فقط، ورجح بأن الله - جل وعلا - ذم المعاند أكثر من الجاهل المقصر، ويجاب بأن الذم للإنكار والعناد لا لمجرد عدم الإقرار، وقيل الاعتقاد فقط، وأما الإقرار فلما مر من إشهار الدين والدعاء إليه ونفى أحكام الشرك ونحو ذلك، وللعبادة والثواب والتوكيد، ويدل له إضافة الإيمان إلى القلب مثل
وقلبه مطمئن بالإيمان
ولم يؤمن قلبه،
ولما يدخل الإيمان فى قلوبكم
Неизвестная страница