أى يا هذا، ولحسن بعضهم المتنبى فى قوله
*هذى بررت لنا فهجت رسيسا*
أى يا هذه وأجيب بأن هذى مفعول مطلق، أى برزت هذه البرزة، ورده ابن مالك بأنه لا يشار إلى المصدر إلا منعونا بالمصدر المشار إليه كضربته ذلك الضرب، ويرده بيت أنشده هو وهو قوله
يا عمرو إنك قد مللت صحابتى وصحابتك إخال ذاك قليل
انتهى ولم يشترط غير ابن مالك نعته بالمصدر، وفى تلحين المتنبى نظرا لأنه كوفى والكوفى يجيز حذف حرف النداء مع الإشارة ومن ذلك قوله
إن الأولى وصفوا قومى لهم فيهم هذا اغتصم تلق من ذاك مخذولا
أى يا هذا، وقوله
ذا ارعواء فليس بعد اشتعا ل الرأس شيبا إلى الصبا من سبيل
أى ارعوا رعواء بذا، وذلك مقيس مطرد عند الكوفيين، ومنع البصريون القياس عليه لأنه إنما ورد نصا فى الضرورة فلا تحمل عليه الآية، مع أن لها أوجها منها ما تقدم من كون هؤلاء مبتدأ أو خبرا، ومنها ما قيل إنه توكيد لأنتم والخبر تقتلون، ومنها ما قيل إنه موصول خبر لأنتم أو مبتدأ له وتقتلون صلته، وقرئ بتشديد التاء للتكثير. { أنفسكم } أى يقتل بعضكم بعضا. { وتخرجون فريقا منكم } من للتبعيض. { من ديارهم } من للابتداء والدار ما يبنى للإقامة مشتملا على بيوت. وقال الخليل الديار محلة القوم بناء أو غيره. { تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان } الجملة حال من واو تخرجون، أو من فريق لأنه منعوت بمنكم، أو حال منهما لاشتمال الجملة على ضميرهما، والتظاهر التعاون مأخوذ من الظهر، يستعمل فى المعاونة، لأن قوة الجوارح فى الجيد والدفع بقوة الظهر، ولأنه كلما طال الظهر وكثرت فقراته وعظامه ازدادت القوة، ولو صغر الحيوان كالحية فقد تغلب الإنسان بالجيد، وقد يكون على شكلها لكنه أطول وأغلظ بقليل منها، فيقبض الإنسان بذنبه وعجزه فيحمله، والأصل تظاهرون بتائين أبدلت الثانية ظاء وأدغمت فى الظاء، وقرأ عاصم وحمزة والكسائى بتاء واحدة، وتخفيف الظاء حذف تاء الماضى وهى الثانية، أو تاء المضارع وقرئ تتظاهرون بإثباتهما وتخفيف الظاء، وقرئ تظهر بتاء وظاء مشددة وإسقاط الألف بعدها، وتشديد الهاء بوزن تتفعلون بتائين، وتشديد العين، والأصل تتظهرون بهذا الوزن، أبدلت التاء الثانية ظاء أو أدغمت وكذا القراءات فى التحريم والإثم والمعصية صغيرة كانت أو كبيرة، والعدوان الكبيرة التى عدت حد الكبائر أى جاوزته فى العظم. { وإن يأتوكم } أى وإن يأتكم الفريق الذين أخرجتم من ديارهم، أو أن يأتكم جماعة من الذين تخرجون منهم من قدرتم عليه، وتقتلون من قدرتم عليه، وهذا أعم والكلام السابق يدل عليه. { أسارى } بضم الهمزة جمع أسرى بفتحها وإسكان السين، وأسرى جمع أسير بمعنى مأسور فعيل بمعنى مفعول، كقتيل وقتلى لما كان أسرى بوزن سكرى جمع على أسارى كسكارى، فأسارى جمع الجمع، ويجوز أن يكون جمع أسير للتشبيه بكسلان، لأن الأسير محبوس عن كثير من تصرفه، كما لا يتوصل الكسلان إلى كثير مما يحتاج إليه، فجمع على أسارى كما يجمع كسلان على كسالى، والأصل أسير المشدود بالأسر، أى الحبل أطلق على كل من جلبه العدو، لأن من شأنه أن يشد بالحبل لئلا يهرب سواء شد به أو بغيره كالحديد أو لم يشد، ولأن من جلبه العدو ممنوع عن أهله، وما يريد كمن شد بالحبل عما يحب، وقرأ حمزة وإن يأتكم أسارى.
{ تفادوهم } تنقذوهم من الأسر بالمال، أو بأمثالهم من الرجال أو غير ذلك وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة وابن عامر تفدوهم بفتح التاء وإسكان الفاء، والمعنى واحد، ولكن المفاداة تدل بالمطابقة على أن كلا من الغالبين والمغلوبين أخذ وأعطى، وفدى يدل على ذلك بالالتزام، أو أما بالمطابقة فإنما دل على إعطاء المغلوبين وأخذهم فقط فافهم، وقال الثعالبى يقال فدى إذا أعطى مالا وأخذ رجلا، وفادا إذا أعطى رجلا وأخذ رجلا، ومن استعمال فادى فى إعطاء مال وأخذ رجل قول العباس رضى الله عنه فإنى فديت نفسى وعقيلا. روى أن قريظة كانوا حلفاء الأوس، والنضير حلفاء الخزرج، فكان قريظة وهم يهود يعاونون الأوس وهم عرب ويقاتلون معهم عدوهم الخزرج، وكان النضير وهم يهود يعانون الخزرج وهم عرب ويقاتلون معهم عدوهم الأوس، يدخل كل فريق مع حلفائه فى القتال وتخريب الديار والإخراج منها، وإذا أسر الخزرج رجلا من قريظة جمعت له النضير حتى يفكوه من الخزرج ويفدوه، وكذا إذا أسره النضير لأنهم، فى القتال مع الخزرج، إلا أن سامحه الخزرج وتركوه وسبيله بلا فداء، وإذا أسر الأوس رجلا من النضير جمعت له قريظة حتى يفدوه من الأوس على حد ما مر كله، وقيل إن النضير وقريظة حالفوا الأوس، وبنى قينقاع حالفوا الخزرج، فإذا وقع الحرب بين الأوس والخزرج ذهبت كل طائفة من اليهود مع أحلافها، وذكر أن العرب عيرتهم كيف تقتلونهم ثم تفدونهم؟ فقالوا إنا أمرنا أن نفديهم، فقال العرب كيف تقاتلونهم؟ فقالوا نستحى أن تذل حلفاؤنا وذلك أن الله جل وعلا أخذ عليهم الميثاق فى التوراة ألا يقتل بعضهم بعضا، ولا يخرج بعض بعضا من داره، وأيما عبد وأمة من بنى إسرائيل وجدتموه فاشتروه بما قام من ثمنه وأعتقوه، وخالفوا أحكام التوراة وعيرهم الله جل وعلا بقوله { وإذ أخذنا ميثاقكم } إلى قوله { وهو محرم عليكم إخراجهم } الجملة متصلة بقوله { وتخرجون } وهى حال من واو تخرجون، وجملة { وإن يأتوكم أسارى تفادوهم } ، معترضة أو معطوفة على تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان، ولفظ هو ضمير الشان، ومحرم خبر مقدم، وإخراج مبتدأ مؤخر، والجملة خبر ضمير الشان ويجوز أن يكون ضميرا مبهما يفسره لفظ إخراجهم على أن يكون عطف بيان على هو، أو بدلا منه، ومحرم خبرا وأخراج مبتدأ سبق تفسيرا له، ويجوز كون هو عائد إلى الإخراج الذى دل عليه تخرجون، وإخراجهم بدل أو بيان له، ومحرم على هذا خبر، ويجوز على هذا كون إخراج نائب محرم وضعا للظاهر موضع المضمر.
Неизвестная страница