193

Химиян Зад

هميان الزاد إلى دار المعاد

Жанры

{ والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون } المتبادر من العطف لأنه يقتضى التغاير أن الإيمان التصديق والإقرار أو التصديق وأن العمل الصالح سائر الأعمال كالصلاة وكالإقرار إذا قيل الإيمان مجرد التصديق، وزعم بعض أن الإيمان يدخل فيه جيمع الأعمال الصالحة، لكن لما كان لفظ آمن لا يدل صريحا ولا وضعا على أكثر من فعل واحد ذكر بعده، وعملوا الصالحات دالا على تعدد الأعمال، وقيل آمنوا بمعنى عملوا الصالحات، لكنه للماضى فذكر بعده عملوا الصالحات، بمعنى داوموا على عمل الصالحات، وتدل هذه الآية على أن المراد بمن كسب سيئة المشرك والفاسق، لأن هذه الآية ذكر فيها الموحد غير الفاسق، فتشمل الآيتان جميع الأقسام، ولو أريد بمن كسب سيئة المشرك فقط لبقى الفاسق، فبطل قول بعض قومنا إن هذا دليل على أن المراد بمن كسب المشركون، ولا يخفى أن ظاهر قوله { من كسب سيئة.. } إلخ عام سبق حجة على القائلين لن تمسنا النار إلا أياما معدودة، كأنه قيل ليس كما قلتم بل كل من كسب سيئة وأحاطت به خطيئاته فهو خالد أبدا، فليس كما زعم بعض قومنا أن المراد بمن كسب اليهود القائلون لن تمسنا النار إلا أياما معدودة، لأنه تأكيد والتأسيس أولى، ولأنه لا دليل على هذا التخصيص، فهو عام فى كل من كسب سيئة وأحاطت به خطيئاته، كما أن قوله { والذين آمنوا.. } إلخ عام فى كل من آمن وعمل الصالحات، ذكره وعدا عاما بعد ذكره وعيدا عاما لترجى رحمته كما يخشى عذابه، كما هو سنة الله تعالى فى القرآن فى ذكر الوعد بعد الوعيد.

[2.83]

{ وإذ أخذنا ميثاق بنى إسرائيل } حين رفع فوقهم الطور ليقبلوا التوراة ويعملوا بما فيها، فقبلوا على أن يعملوا فهذا ميثاقهم، أو حين طلبوا موسى أن يأتيهم بالكتاب الذى وعدهم ليعملوا به، وهو التوراة أو الميثاق هو إلزامه إياهم التكاليف التى فى التوراة سماه ميثاقا لأنه عاهد إليهم أن يعملوا بها. { لا تعبدون إلا الله } جواب للقسم، لأن أخذ الميثاق تحليف، لأن المعنى وإذا حلفناهم لا تعبدون إلا الله، كقولك حلفت عمرا ألا يقوم، وذلك قول سيبويه بالقسم أخذ الميثاق، ويجوز كون ذلك جوابا للميثاق أى أخذنا حلفهم لا يعبدون إلا الله كقولك أعجبنى حلف زيد ليقومن، وإن قلت فهل حلفهم أو حلفوا؟ قلت اللازم الشئ بشدة تحليف والتزامه بها حلف، ولا نافية، ويجوز كون لا تعبدون إلا الله مقولا لحال محذوفة، أى وإذ أخذنا ميثاق بنى إسرائيل قائلين لا تعبدون إلا الله، أو مقولا لمعطوف حذف مع العاطف أى وإذ أخذنا ميثاق بنى إسرائيل، وقلنا لا تعبدون إلا الله، وجاز حذف العاطف معه، كما جاز حذف القول مع فاء الجزاء، وعلى كون لا تعبدون إلا الله ومقولا لقول محذوف على الوجهين تكون لا نافية لفظا ناهية معنى، ونكتة الإتيان بما لقطه خبر ومعناه نهى التلويح إلى أن هذا الميثاق مما يهتم بالوفاء به، لو لمسارعة فى أدائه فأتى بصيغة الخبر كأن عبادة غير الله المنهى عنها منتفية، فهو يخبر بأنها لا تقع، وهذا كما تعبر عن طلب ما ترغب فيه بصيغة وقوعه، تقول رحم الله الشيخ يوسف بن إبراهيم والشيخ عامر ومشايخ الديوان وأصحابنا، نزيد اللهم ارحمهم، ويدل على كون المعنى نهيا قراءة ابن مسعود وأبى بن كعب، لا تعبدوا بحذف النون، ويدل عليه أيضا عطف الأمر عليه، وهو قوله عز وعلا { وقولوا للناس حسنا } ويجوز أن تكون لا نافية لفظا ومعنى والناصب مقدر لما حذف ارتفع الفعل، كقول طرفة بن العبد

ألا أيهذا الزجرى أحضر الوغى وأن أشهد اللذات هل أنت مخلد

أى ألا أيها الذى يزجرنى عن أن أحضر أنا الحرب فحذف عن وأن ارتفع أحضر، ويدل لذلك لفظ الزجر وقوله أن أشهد، فالتقدير { وإذ أخذنا ميثاق بنى إسرائيل على أن تعبدوا } فحذف الجار وأن وهو متعلق بأخذنا أو ميثاق، أو يجوز تقدير أن بدون على فيكون مصدر تعبد بدلا مطابقا أو بيانا من ميثاق ويدل على انتصاب الفعل بمحذوف قراءة عبدالله بن مسعود ألا تعبدوا بذكر أن، ولو أدغم نونها فى اللام وبنى اسم ظاهر، والاسم الظاهر من قبيل الغيبة وتعبدون خطاب جئ به كما نزل فى التوراة، وخوطبوا فيها فذلك على طريق الالتفات من الغيبة للخطاب، وذلك قراءة نافع وابن عامر وأبى عمرو وعاصم ويعقوب، وقرأ غيرهم لا يعبدون بالمثناة التحتية.

{ وبالوالدين إحسانا } بالوالدين متعلق بمحذوف، وإحسانا مفعول مطلق لذلك المحذوف، ولو كان مصدرا مؤكدا لأن الصحيح جواز حذف عامل المصدر المؤكد، ولو اشتهر منعه أو ندوره، ولو علقنا بالوالدين بقوله إحسانا لكان غير مؤكد، وجاز تقديمه لأنه لا ينحل المصدر إلى فعل وحرف مصدر هنا على تقدير المحذوف، لكن إذا علق به كان نائبا عن الفعل المحذوف وذلك فى الإخبار قليل، وإن قدرنا المحذوف أمرا لفظا ومعنى أو معنى فقط كان إحسانا نائيا عنه وعلقنا به الباء، وكان غير مؤكد، وكبقية تقدير ذلك المحذوف تحسنون أو أحسنوا لا تعبدون، فإن قلنا خير لفظ ومعنى فالتقدير تحسنون كذلك، لكن إن قدرنا أن مع لا تعبدون جاز تقدير تحسنون بثبوت النون وبحذفها، وتحسنوا وتقدير وأن تحسنوا كما قال وأن أشهد اللذات بعد رفع أحضر، وإن قلنا خبر لفظا نهى معنى جاز تقدير تحسنون بلفظ الخبر، ومعنى الأمر جاز تقدير ألستوا بصيغة الأمر، ويتعين تقدير أحسنوا بصيغة الأمر عند من قرأ لا تعبدوا، وعند من قرأ ألا تعبدوا، وقدم عبادة الله عز وجل، لأن النعم كلها منه، ولو جرى ما جرى على يد مخلوق فشكره مقدم، وذكر بعد ذلك بر الوالدين لأن موجده بعد العدم، ولو كان هو الله لا غيره لكنهما سبب فى وجوده، وإنما قد ربياه وحق الأم أعظم كما بينته فى شرح النيل، واختلف أبو خرز وأبو القاسم فقال الأب أعظم لأنه المأخوذ بحقوقه، وقال أبو القاسم الأم أعظم لأنها أعظم مؤنة، والإحسان إلى الوالدين هو طاعتهما فى غير معصية والرغبة فى نفعهما وتعليم أمر الدين لهما وأمرهما ونهيهما بلطف. { وذى القربى } عطف على الوالدين، أى وتحسنون إحسانا بالوالدين وذى القربى، وإنما أتى بالقريب بعد الوالدين لأن حقه تابع لهما لحقهما، والقرابة تحصل بالوالدين، فإنما توجد بهما، والمولى كالقريب لقوله صلى الله عليه وسلم

" الولاء لحمة كلحمة النسب "

ولا يلزم وصله ما لم يحتج، وقيل يلزم كسائر الأرحام للحديث، وكذا اختلف فى قرابة الرضاع والقربى مصدر مؤنث بمعنى القرابة. { واليتامى } جمع يتيم كنديم وندامى وذلك قليل، واليتيم من بنى آدم والجن من مات أبوه قبل بلوغه، وتسميته بعد البلوغ يتيما مجاز، قال صلى الله عليه وسلم

" لا يتم بعد البلوغ "

واليتيم من البهائم من فقدت أمه عنه حيث لا تنفعه، ولو كانت حية إن كان يرضع، فإن فقدت بعد فطامه فليس بيتيم، وقيل لا يسمى يتيما إلا إن ماتت، وذكر اليتامى بعد ذى القربى لشدة حاجتهم، فإنهم محتاجون لصغرهم ويتمهم، وخلوهم عمن يقوم بمصالحهم فإنهم لا يقومون بنفسهم فقدمهم على المساكين، فإن المساكين قد يقومون بأنفسهم وينفعون غيرهم بالخدمة واليتامى يقل فيهم ذلك.

Неизвестная страница