Халладж
الحسين بن منصور الحلاج: شهيد التصوف الإسلامي (٢٤٤–٣٠٩ﻫ)
Жанры
أفق مترامي الأبعاد، تعجز العقول المادية الأرضية عن ارتياده، واكتشاف أسراره، والاهتداء إلى أنواره.
إنه أفق لأصحاب العقول والأذواق، الذين صفت أرواحهم بالطاعة، ورقت بالمجاهدة، وشفت بالمحبة، وسمت بالاصطفاء، حتى شهدت بالاجتباء ما لا عين رأت، وسمعت ما لا أذن سمعت، ونعمت بما لم تنعم به القلوب التي لم تبرح نطاق الماء والطين.
والقرن الثالث للهجرة، يعتبره الصوفية أكبر وأخطر مرحلة في تاريخ الحياة الروحية.
إنه العصر الذي بلغ فيه التصوف ضحاه، واكتمل نموه، وشيد صرحه، وتدعمت مدارسه.
العصر الذي شهد الأعلام الأئمة الكبار الذين يدين لهم التصوف بخطوطه العريضة المضيئة ... العصر الذي عاش فيه الحارث المحاسبي (ت سنة 243ه) سيد المحدثين عن دقائق ورقائق المحاسبة والمراقبة، وذو النون المصري (ت 245ه) أكبر المتكلمين عن أسرار المقامات والأحوال، وأبو اليزيد البسطامي (ت 264ه) بتحليقاته وإلهاماته في مقامي الحب والفناء، وأبو سعيد الخراز (ت 277ه) أستاذ مدرسة السلوك القلبي، والخلق المثالي، وسهل بن عبد الله التستري (ت 283ه) مربي العارفين القانتين، وشيخ الطائفة وإمامها، أبو القاسم الجنيد (ت سنة 297) الحجة الذائق، الواصل في مقام التمكين.
وأخيرا الشهيد، الحسين بن منصور الحلاج، الذي بلغ به التصوف كما يقول ماسنيون أقصى درجاته الفنية، وتحقق فيه الرمز الأعلى للصوفي المحب الفاني.
والحياة الصوفية في القرن الثالث الهجري، بكل ما فيها من عظمة وإشراق، وأسرار في المقامات والأحوال، وبكل ما اشتملت عليه، من محبة وفناء ومشاهدة، وفرق وجمع وفتح، وجهاد في سبيل الكمال، واستشراف للمثل الأعلى.
كل هذا نشاهده مبينا واضحا مصورا في حياة الحلاج، ونضاله، وصراعه واستشهاده.
بل إن الحلاج، ليعرض علينا، آفاقا قلبية، ومعارج روحية، وألوانا من الحب الإلهي وإلهاماته، وما فيه من شوق ووجد، وعذاب وحرقة، وتقلب في ملكوت المشاهد والأنوار، لا نراها عند غيره.
لقد انبثق الحب الأعلى، الحب الأعظم، في قلبه ووجدانه، وحسه ودمه وكيانه، فأذهله وحيره، وأفناه عمن سواه، حتى لنراه، في أسواق بغداد بقامته الفارعة، ولونه الأسمر الجميل، وسمته المهيب، ومنطقه الساحر، وهو يهيم على وجهه، وقد صرعه حبه، وهو يصيح: «يا أهل الإسلام. أغيثوني! فليس - أي الله - يتركني لنفسي فأتهنى بها! وليس يأخذني من نفسي فأستريح منها، وهذا دلال لا أطيقه ...»
Неизвестная страница