Так говорил Наср Абу Зайд

Джамал Кумар d. 1450 AH
91

Так говорил Наср Абу Зайд

هكذا تكلم نصر أبو زيد (الجزء الأول): من نص المصحف إلى خطابات القرآن

Жанры

3

في مقدمة عمله الكبير «أولاد حارتنا»، أشار عمنا نجيب محفوظ إلى أن «آفة حارتنا النسيان». فرغم تاريخنا الطويل والتدوين بكل أشكاله، ونحن مشغولون بالماضي والتراث صباح مساء، حتى إننا أصبحنا نمشي للأمام وعيوننا للخلف، فرغم كل ذلك فنحن في وضع حركة تشبه حركة «محلك سر»، نتحرك في أماكننا فكريا. فبعد قرن فات، مات فيه من مات، ما زلنا نتناقش تقريبا فيما تناقش فيه محمد عبده في بدايات القرن الماضي إن لم نكن قد تراجعنا في بعض الجوانب، كأننا نعيش بلا ذاكرة. فرغم كل كلامنا عن الماضي فلا نخطو داخل وعينا وننتقل، لا يكمل التالي ما أنجزه سابقوه، ويتجاوز جهودهم نحو مرحلة أخرى، بل تقريبا نبدأ من جديد، وكأننا نولد كل يوم لا ندري ماذا كان بالأمس، فرغم ما تلوكه ألسنتنا من لبان التاريخ، فنحن نعيش فكريا تقريبا يوما بيوم بلا ذاكرة.

وهذه الحالة لها أسباب بعيدة في معتقداتنا وتصوراتنا الثقافية عن الزمن، ولكن هذا موضوع لحديث آخر، لكن من الأسباب القريبة في نظري هو أننا نفكر بآليات السياسة، لا بآليات الفكر. وحالة التفكير بآليات السياسة تجعل حركة الفكر تبدأ من سؤال: «أنت معنا أم ضدنا؟» والإجابة عن هذا السؤال تحدد صدق ما تقول أو كذبه، وتحدد أهمية ما تقول أو هامشيته. فإذا كنت معنا ومنا، فكلامك صادق وآراؤك مهمة، وإن لم تكن، فمهما قلت ومهما فعلت فأنت مرفوض. هذا النهج في لبه هو نهج تراثي قائم على أن أثق في الراوي قبل الرواية وفي السند قبل المتن، مما جعل كل معاركنا الفكرية تقريبا في العصر الحديث هي عبارة عن غزو قبلي، قبيلة تغزو قبيلة وتسلبها عزيزها وتستبيح حرماتها، فتقوم المعارك ويخفت ترابها، ولم نعلم ما هي القضايا ولا ما هو لب النقاش، وكل اهتمامنا يكون: من قتل من، ومن سلب درع من؟ وكل فترة تتجدد الغزوات؛ الغزوات الفكرية، وتكون أياما كأيام العرب القديمة، تفاخر بالأنساب الفكرية والأحساب الثقافية، ويظل الفكر، وتظل الثقافة «محلك سر يا عسكري».

فهذه غزوة أحزاب المتدينين في يوم وموقعة ترقية نصر أبو زيد بتسعينيات القرن الماضي، ما زال غبارها في ساحة الحياة الثقافية، ولكن من دافعوا عن نصر، وعن التنوير، وعن العلمانية، وعن حرية الرأي، تقريبا لم يقرءوا إنتاجه. ومن هاجموه دفاعا عن الدين وعن الهوية وعن حياض الإسلام من غارات أهل «الكفر» و«التغريب» و«الحداثة»، لم يقرءوا. وتداعت القبائل لساحات النزال على صفحات الجرائد، وعدو عدوي صديقي؛ ليصبح حصاد الغزوات الفكرية هزيلا ومجرد سير في المحل، ويتجدد القتال كل حين بمنطق «وإن عدتم عدنا».

فها هو خطاب نصر أبو زيد، نتصارع عليه، ويتاجر به من يتاجر، مرة باسم الدفاع عنه وتبجيل صاحبه واستخدامه كشعار في معارك وهمية، ومن يتاجر في نفس الخطاب باسم مهاجمته أيضا. الطرفان يتاجران دفاعا وهجوما؛ فخطاب نصر أبو زيد ذاته لم يتم جمعه، فقريبا سيمر عقد من الزمان على رحيل نصر أبو زيد، وله دراسات، نعم دراسات مهمة مكتوبة بالعربي ومنشورة في مجلات ولم تجمع في كتب، مثل «الرؤية في النص السردي العربي»، يحلل فيها تفسير وتأويل الرؤية في الثقافة العربية ودورها من خلال الجزء الأول من سيرة ابن هشام في عرضه لرؤيا جد النبي «عبد المطلب» وتأويلها. ورؤيا يوسف وتأويلها في سورة يوسف، ليقارن أبو زيد بين تعامل ثقافة العرب قبل الوحي مع الرؤيا وكيف تعامل الوحي مع هذه التصورات في الثقافة. دراسة كتبها في منتصف التسعينيات ونشرها، ولم تجمع في كتاب من كتبه حتى الآن.

وهناك دراسات بالإنجليزية كتبها نصر ونشرها ولم تترجم إلى العربية، ففي سنواته الخمس عشرة بعد رحيله عن مصر كان يكتب وينشر بالإنجليزية، بل له دراسات بالإنجليزية في جامعة أوساكا في اليابان في النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي لم تترجم ولم تجمع في كتب. فقد كتب «السيرة النبوية سيرة شعبية»، حلل فيها السيرة النبوية، وكيف أن تداولها شفهيا على مدى ما يزيد على قرن ونصف قبل أن يتم تدوينها كتابة، وكيف شكل هذا التداول الشفاهي في مضمونها ووجود أشعار كثيرة في كتب السيرة. وقد حدثت ترجمة لها في بدايات التسعينيات، ونشرت بمجلة فنون شعبية من مطبوعات وزارة الثقافة، ولكن الدراسة لم تجمع في أي من كتبه.

ومساهمته بالكتابة وكعضو في اللجنة الاستشارية التي عملت على واحد من أهم الأعمال الفكرية والبحثية حول القرآن وعلومه وهي «الموسوعة القرآنية» التي أنتجتها جامعة لايدن بهولندا في ستة مجلدات، واشترك فيها باحثات وباحثون متخصصون في الدراسات العربية والإسلامية على مستوى العالم، ونشرت بداية من عام 2000م حتى 2006م. وتم العمل عليها أكثر من عقد من الزمان، ولنصر بها أربع مشاركات، بخلاف محاضراته بالعربي وبالإنجليزية التي بتحويلها إلى نصوص مكتوبة هي رصيد فكري لأبحاثه حول القرآن. بل إنني حين أضع أمامي أكثر من أربعين حوارا صحفيا منشورا مع نصر منذ مايو سنة واحد وتسعين حتى عام ألفين وعشرة، أرى تطور أفكاره من خلال قراءة هذه الحوارات ووضعها في سياقها الزمني. وحتى المؤسسة الفكرية التي أعلنت أنها نشرت الأعمال الكاملة لنصر أبو زيد، فهي لم تفعل سوى أنها أعادت نشر كتب نصر المنشورة أصلا، وليس فعلا جمع أعماله الكاملة.

بل إنك لو دخلت دار الكتب المصرية تبحث عن كتب نصر أبو زيد من أرشيف الدار، فلن تجد سوى كتاب واحد هو: «مفهوم النص» إن وجدته، وكتاب «القول المفيد في قضية أبو زيد»؛ لأن معظم كتب نصر منشورة في دور نشر لبنانية. وهي لا تضع نسخ إيداع بدار الكتب المصرية، بل إنك لو دخلت مكتبة جامعة القاهرة، التي نشرت الصحف سنة 1996م أنها قد سحبت كتب نصر تحت تأثير القضية، لدرجة أن باحث ماجستير كان يعد دراسته في أصول الفقه في «الجامعة الأم» عام 2012م كان يبحث عن نسخة من كتاب «مفهوم النص» واضطررنا لتوفيرها له كملف بي دي إف على النت.

نصر أبو زيد قام بعمل أربع ترجمات لنصوص في علم العلامات وفي الدرس اللغوي الحديث من الإنجليزية للعربية في النصف الأول من الثمانينيات، هذه الترجمات لم تجمع في كتاب، بل له ترجمة كاملة لكتاب عن ثقافة «البوشيدو» في اليابان، ترجمه عن الإنجليزية ولم يعد نشره ولا نشر مقدمة نصر الجميلة للترجمة، كتبها نصر ليزرع الكتاب في همومنا الثقافية والفكرية، بخلاف مقالاته في الصحف بالعربي ومقالاته وعروض كتب له بالإنجليزية، بخلاف تسجيلات صوتية لنصر تزيد على مائة ساعة بالعربي والإنجليزي، تعكس حياته وحياة التفكير عنده.

فحتى لا يأتي أحفاد لنا في بدايات القرن القادم، يمضغون لباننا الثقافي الذي نلوكه في معاركنا الآن مما مضغه أسلاف لنا في بدايات القرن الماضي، ولكي تتغلب حارتنا على آفة النسيان، مهم أن نرمم ذاكرتنا الثقافية، ونخرج من ثقافة الغارات القبلية، ثقافة الغزو والغنائم والسبايا الفكرية وسلب القتيل درعه وسيفه وملابسه كغنيمة. فعلينا أن نرمم ذاكرتنا بأن نجمع جنبات الخطاب ونوفره، فيقرؤه القراء ويبحث فيه الباحثون ويفكر المهتمون بالفكر، لا لكي نجعل من نصر أبو زيد أو غيره شيخا له مقام وله قبة خضراء ندور حولها تقديسا، ولا لكي نجعل منه أيضا «خيال مآته» نخيف منه الطيور، ونخيف به العصافير. بل مهم لنا ولحارتنا أن نحول خطابه وخطابات غيره إلى موضوع للدرس العلمي والتفكير والبحث النقدي، فنقف على ما أنجز؛ لكي نبني عليه بتجاوزه من داخله نقديا، وليس عبر غارات الكر والفر وثقافة الغنايم. (4) أبو زيد الذي فقدناه

Неизвестная страница