Так говорил Наср Абу Зайд
هكذا تكلم نصر أبو زيد (الجزء الأول): من نص المصحف إلى خطابات القرآن
Жанры
انتقل نصر أبو زيد في رسالته للدكتوراه إلى حقل آخر من حقول التراث، وهو حقل التصوف والتجربة الروحية، والجانب الأخلاقي. ويمكن إدراك أن استدعاء تراث التصوف وابن عربي تحديدا هو جزء من مواجهة الهجمة السلفية أيضا؛ إلا أن عدسة الباحث هنا اتسعت، فمن دراسة مفهوم جزئي - المجاز - إلى دراسة «فلسفة التأويل» عند محيي الدين بن عربي، ليس من خلال علاقة المفسر بالنص، بل اتسعت الرؤية لمحاولة الوصول إلى القواعد الفكرية الرابضة خلف فعل التفسير والتأويل. وكانت لمنحته للدراسة بأمريكا فرصة له أن ينفتح على الدراسات اللغوية الحديثة ومناهجها. فكتب عن الهرمنيوطيقا، أو التأويلية في التراث الغربي، والبحث عن تأصيلها في التراث العربي؛ إلا أن نصر بعد الانتهاء من كتابته لرسالة الدكتوراه وموافقة مشرفه الثاني على الرسالة، وأن تطبع لتتم مناقشتها، أدرك أنه استغرق في شرح فلسفة ابن عربي وفي عرض جوانبها؛ حتى أصبحت فلسفة ابن عربي هي متن الرسالة، وأصبحت قضايا تأويل القرآن عند ابن عربي هي الهامش. لكن نصر أبو زيد أيضا طوال بحثه في الرسالة كان مشغولا بدور المؤول في جعل النص ينطق بأفكاره المسبقة، لكن بدأ يدرك دور النص القرآني في تشكيل رؤية وتصورات ابن عربي ذاته، بل أيضا أدرك كيف أنه كان لطبيعة لغة ابن عربي المكتنزة، والتي تخدع الباحثين بالوقوف أمام منطوق نصوص ابن عربي دون الالتفات إلى المسكوت عنه في الخطاب، وإلى الكيفية التي يقول بها ابن عربي كلامه، فقد ظلتا (هاتان النقطتان) تؤرقان أبو زيد بعد مناقشة رسالته للدكتوراه؛ حتى عاد إلى الكتابة عن ابن عربي في مقال صغير سنة 92 بمجلة الهلال المصرية عدد مايو: «قراءة المسكوت عنه في خطاب ابن عربي»، ثم كتب كتابه في نهاية الألفية: «هكذا تكلم ابن عربي». وأبو زيد أدرك أيضا أن الاستخدام النفعي للنصوص موجود في التراث الصوفي أيضا.
أصبح السؤال الذي يؤرقه، وقد تولد من أطروحتي للماجستير والدكتوراه: هل هناك دلالة موضوعية للنص في الثقافة العربية خارج التحيزات الأيديولوجية المسبقة؟ وهل يمكن تكوين تصور موضوعي للنص في الثقافة؟ وحاول من خلال وضع التراث المكتوب حول النص في موسوعتي السيوطي والزركشي في علوم القرآن بحثا عن مفهوم للنص. لكن نصر كان يتحرك منطلقا من المنظومة المعتزلية في العقيدة، ومن خلال جهود البلاغة العربية متمثلة في عبد القاهر الجرجاني من التراث مع استعارة مفاهيم غربية حديثة في التأويل عند «جادامر». لكن من منظور جدلية مادية بين الفكر والواقع، وأيضا منطلق من الجهود العربية الحديثة في مدرسة التفسير الأدبي للقرآن الكريم بجهود محمد عبده والشيخ أمين الخولي وتلميذه محمد أحمد خلف الله . فمس أسئلة حول طبيعة الوحي وكيفيته، وطبيعة القرآن، وسؤال: ما الإسلام؟ في محاولة لفتح المعنى والدلالة، والتي لم تخل هي نفسها من تحيز أيديولوجي، وإن كان يسعى إلى وضع الظاهرة الدينية تحت عدسات الدراسة «الموضوعية العلمية».
لكنه في هذه المرحلة احتك مباشرة، وفتح الحوار حول قضية قد كان أغلق الباب في التفكير فيها منذ عشرة قرون عن طبيعة القرآن وعن ماهيته، وأن كل عمليات التجديد التي تمت في العالم العربي والإسلامي تعتمد على نفس الأساس اللاهوتي/العقيدي الراسخ بأن: «القرآن هو كلام الله القديم»، بالإضافة إلى استخدامه مصطلحات علوم اللغة والبلاغة الحديثة في مجال الدراسات القرآنية، منطلقا من أن القرآن رسالة لغوية من الله للبشر، وكونها من الله لا ينفي عنها أنها رسالة لغوية تخضع لقواعد البشر في التواصل والفهم والدراسة؛ ربطا بين الدراسات الإسلامية والقرآنية بالدراسة الأدبية للنصوص من خلال مناهج الدرس اللغوي وتحليل النصوص المعاصرة. دراسة النص في سياق تفاعله مع الواقع ومع التاريخ تشكلا وتشكيلا من خلال علاقة جدلية بين النص والواقع، معتمدا على التراث المعتزلي حول مفهوم خلق القرآن وحدوثه، مفارقا ما هو سائد من التعامل مع النص القرآني كسلطة لإخضاع البشر لها، مخفية وراءها سلطة بشر خلف أقنعة المقدس والمطلق، إلى أن يكون النص ساحة رحبة للفهم الإنساني.
موظفا التفرقة التي أخذها عن «هرش» للتفرقة بين
Meaning
و
Significant
الاصطلاحين اللذين ترجمهما في البداية إلى «المعنى» و«الدلالة»، ثم فيما بعد إلى «المعنى» و«المغزى»؛ للتفرقة بين المعنى الذي فهم من النص في زمن ظهوره، والذي يمكن أن نصل إليه بتحليل النص في سياقه التاريخي والاجتماعي واللغوي والثقافي. وبين مغزى هذا النص لنا في عصرنا نحن الآن، عبر عملية التأويل التي تحدث للنص في التجاوز من المعنى إلى المغزى. فالتعامل مع القرآن كنص بدلالة كلمة «نص» المعاصرة وليس النص بالمعنى التراثي التي كانت تعني الواضح وضوحا بينا، الذي لا يحتاج إلى تأويل، بل النص كعملية تواصل لغوي بين مرسل ومستقبل من خلال شفرة في سياق.
في هذه الفترة من نهاية الثمانينيات، بدأ ينتقل لدراسة الواقع المعاش، بدراسة ظواهر معاصرة مثل «نقد الخطاب الديني»، وطرقه في إهدار السياق بمستوياته المختلفة، في تعامل هذا الخطاب مع النصوص الأولي منها والثانوي، ومع الظواهر المختلفة. وكذلك نقد أبو زيد خطاب «اليسار الإسلامي»، بل انتقل من نقد الخطاب الديني إلى نقد الخطاب العام، فدرس «مشروع النهضة بين التوفيق والتلفيق» على أن الخطاب الديني هو صورة من أزمة الخطاب العام؛ بحثا عن المعوقات الفكرية التي تعوق خطاب النهضة عموما وخطاب التجديد خصوصا، وكيف أن خطاب النهضة وخطاب التجديد يقعان في أسر الخطاب النقيض لهما، مما يؤدي إلى ضمور ثمار النقد وثمار التجديد، مقارنة بالخطاب التقليدي الذي يجتر التراث. وتزامن مع حالة النقد هذه عند أبو زيد التي نقد فيها مشروع أستاذه حسن حنفي، كجزء من نقده لذاته هو، حيث أعاد النظر في موقفه من تراث المعتزلة، وأدرك محدودية مفهوم الحرية عندهم وارتباطه بزمانهم كحرية الإنسان في مواجهة القدر. وليست الحرية بمعناها السياسي والاجتماعي، والاقتصادي لعصرنا. وأدرك إطلاقية المعتزلة لمفهوم العقل؛ ليتحول إلى مطلق، لا يحده لا الزمان ولا المكان ولا التاريخ.
3
Неизвестная страница