Так я был создан: длинная история
هكذا خلقت: قصة طويلة
Жанры
وانصرف ولدي مستأذنا في أن يدعني أستريح، وأخذت أفكر في هذا الحديث الجديد ومقدماته ونتائجه، ولعنت الساعة التي عرف فيها ولدي هذه الفتاة حتى ليريد أن يخطبها إلى أهلها، والساعة التي استشار فيها أمها، وقد أدت مشورتها إلى هذا الاضطراب الذي أعانيه اليوم، وقد تؤدي إلى اضطراب أوسع نطاقا تتأثر به صلتي بزوجي، وينتهي إلى تشتيت شملنا بعد إذ كان مجتمعا في انسجام واتساق.
ودخل علي زوجي وهذه الأفكار تتناوبني وترتسم صورتها على محياي، فلما رأى ما يبدو من ذلك علي قال: «لا تجسمي الأمر يا عزيزتي ولا تنزعجي له، فهو واقع غدا إن لم يقع اليوم؛ لأنه نزول على حكم الطبيعة، فما كان الدم لينقلب ماء في يوم من الأيام، وللوراثة حكم لا سبيل إلى مغالبته، وقد أصبحت ابنتك في عصمة رجل، وأصبح ابنك قديرا على الكفاح في الحياة فأغناهما ذلك عنا، وأتاح لهما من الاستقلال في التفكير ما نزع عنهما سلطاننا، وإن استبقى لهما حبنا وعطفنا.» فشكرت له سمو عواطفه وقلت له: «لو أنك سمعت ما قاله ولدي عما يضمره لك من إكرام، ومن اعتراف بفضلك وجميلك، وتقدير لحنانك وبرك كل هذه السنين، لسرك أن أثمرت تربيتنا هذه الثمرة الصالحة، وقد ذكر لي أنه سيؤدي ما عليه لك من واجب الشكر بعد أن يعيد إلى اسمه واسم أخته اسم أبيهما ليكون الشكر خالصا بريئا من كل شائبة.»
وجم زوجي لسماع هذه الكلمات الأخيرة ثم قال: «فليلهمه الله السداد والحكمة.» وعاد الرجل إلى وجومه، ثم انصرف عني إلى مكتبه، فلما آذنت الشمس بالمغيب جاء إلي يخبرني أن أصدقاءه دعوه إلى طعام العشاء وإلى سهرة قصيرة بعده، وأيقنت حين غادر البيت أن حديث ولدي فعل فعله في نفسه، وأنه مضطرب له اضطرابي، حائر في أمره حيرتي، مقدر أنه لا يملك رده، متألم من أجل ذلك له، وأنه ابتكر هذا العشاء وهذه السهرة حتى لا ينكشف لي اضطرابه وألمه، وقد زاد هذا اليقين في حيرتي واضطرابي، وفي خشيتي من المستقبل القريب وما ينطوي عليه من نذر.
وإذ جن الليل وآن لي أن أسكن إلى مضجعي، وأن أطفئ أنوار غرفتي، شعرت بالرعشة من جديد تهزني، وتراجعت عن سريري فزعة مخافة أن أرى الطيف الملتف في أكفانه يندس إلى جانبي ليكون بيني وبين زوجي، عند ذلك همل الدمع من عيني، وعدت حيث كنت على مقعدي، ورفعت أكف الضراعة إلى الله أن يعفو عني، وأن يريح بالي، وأقمت على ذلك زمنا ذهبت بعده إلى مرقدي أحاول النوم فلا يطاوعني، وبعد منتصف الليل أحسست بزوجي يدخل الغرفة ولا يضيء نورها، ويتمطى في مكانه من السرير، وأنا متناومة لا أبدي حراكا، فلما تبينت من صوت أنفاسه أنه نام أخذتني الشفقة عليه لاضطرابه وحيرته، فهو قد حاول أن يقيم أسرة تسعد بها كهولته وشيخوخته، وبذل في سبيل ذلك حر عواطفه وماله، وها هو ذا يرى محاولته تنهار من أساسها ولا يستطيع شيئا لدعمها واستبقاء كيانها، وهأنذي شريكته في محاولته، أشاركه الحسرة لانهيارها، ثم أنا بعد ذلك أشد منه حيرة، أضطرب بينه وبين ولدي أحشائي، ولا أقدر على منع كارثة تهددني!
وبعد أسابيع جاءني ولدي متهللا يذكر أن المحكمة حكمت بإعادة اسم أبيه إلى اسمه واسم أخته، وأنه قد آن له أن يجيء معها إلى زوجي يعترفان له بسابغ فضله، وعظيم حنانه وبره.
قلت: «لقد كنت تخشى أن تفعل ذلك قبل حكم القضاء مخافة تأويله بأنكما تطمعان في وصيته، فهلا تخشى مثل هذا التأويل اليوم؟» وأجابني: «كلا، فالرجل لم يحرر وصيته بعد، فإذا هو حررها برغم ما فعلنا كان ذلك إقرارا منه لعملنا، وإعلانا لإبقائه على محبتنا والعطف علينا، وإن لم يحررها فذلك شأنه، ولن ينقص إحجامه عن تحريرها من اعترافنا بجميله وفضله.»
واستأذن الشاب في الانصراف لبعض شأنه، فلما كان موعد الغداء حضر زوجي، ثم رأيت ابني وشقيقته يدخلان علينا وتقول ابنتي: «لقد جئنا نتناول الطعام معك يا أماه ومع عمنا»، ولاحظت لون زوجي يتغير لسماعه كلمة العم ممن تعودت شفتاه أن يدعوه أبي، وكأنما لاحظ ولدي ما لاحظت فأسرع يقول: «نحن يا عماه ابناك، وقد جئنا إليك نعتذر عن العود باسمينا إلى اسم أبينا، لم يكن ذلك إنكارا لفضلك ولا تنكرا لجميلك، لكنني أعلم أنك كنت أوفى الأصدقاء لأبي، فلما اختاره الله إليه اتخذتنا وديعة عندك، فأسبغت علينا مثل بره وحنانه، وسميتنا باسمك حتى نشعر بأبوتك لنا وبنوتنا لك، فلما بلغنا أشدنا وآن أن ترد الوديعة، أحسست بما في ذلك من مشقة عليك لرقة عواطفك وفرط حنانك، ولأن مر السنين ربط بيننا وبينك بأوثق رابطة، فاحتملت أنا العبء عنك، مطمئنا إلى أنك سترضى صنيعي؛ لأنك رجل أمين لا ترضى أن تحتفظ بما استودعت، وتحرص على رد الأمانات إلى أهلها، أما وقد ردت فقد جئت وشقيقتي الآن نضاعف لك الثناء والحمد على عنايتك بنا، وجميل عطفك علينا، وسمو أبوتك لنا، طامعين في أن تقبل شكرنا لك وثناءنا عليك، والله يتولى جزاءك.»
انفرجت أسارير زوجي لهذا الكلام، فانتقلنا بالحديث إلى جو أكثر طمأنينة، بذلك استأنفنا حياتنا وأنا أرجو أن تعود سابق سيرتها، لكنني شعرت بأن حجابا قام بيني وبين زوجي، وكأن هذا الاسم الذي استعاده ولداي - اسم صاحب الطيف الملتف في أكفانه - قد حال بيني وبينه حتى كاد يجعلني غريبة عنه، ويجعله غريبا عني.
وجاءني ولدي بعد أيام يسألني رأيي في أمر الفتاة التي يريد أن يخطبها لنفسه، واستمهلته حتى أروي في الأمر كما قلت له، وحتى أسأل زوجي لكيلا يزداد الحجاب كثافة بيني وبينه، فلما سألته قال إنه لا اعتراض له على مصاهرة هذه الأسرة فهم أصدقاؤنا ومن طبقتنا، لكنه أضاف: «لكنك توافقينني على أن هذا المسكن الذي نقيم به لا يتسع لأسرتين، وأنا أقترح أن يسكن ابنك وعروسه العمارة التي تقيم بها أخته حتى تسهل عليك زيارتهما كلما هفا لذلك قلبك.»
أحسست من هذه الكلمات الأخيرة أن الرجل لم يعد يطيق حياة ولدي معنا، برغم ما يبديه لي من مجاملة ولطف، فلما حدثني ولدي الغداة قلت له إني أوافق على الزواج، وأقترح عليه أن يسكن العمارة التي تقيم بها أخته، وكذلك فعل، وجهزت العروس مسكنها جهازا حسنا، وأخذت أتردد مع أمها عليه نعنى بنظامه وحسن تنسيقه.
Неизвестная страница