Так я был создан: длинная история
هكذا خلقت: قصة طويلة
Жанры
قلت: وما عسى أن تقول صديقتي يومئذ؟ إنني منعتك من زواجها، وبذلت جهدي ليطلقني زوجي حتى تتزوجني؟!
قال: دعك من صديقتك وما يمكن أن تقول، وإذا كان هذا كل اعتراضك فما أهونه! أنت اليوم امرأة حرة من عدة أشهر، فإذا تزوجت دل ذلك على أنك سيدة عاقلة، وأنك تؤثرين الحياة الكريمة على هذه الحياة الماجنة التي تحياها صديقتك منذ سنين.
قلت: إذن فاسمع، إنني أرحب بخطبتك وأشكرك عليها إذا قبلت لي شرطا لا أفكر في أن أتزوج من لا يقبله؛ إنني أريد أن أحسم كل صلة بيني وبين مطلقي، ولا يكون ذلك ما بقي هذان الطفلان منسوبين له، فلا بد أن يتبناهما من أتزوجه، وأن يتسميا باسمه، فإن قبلت أنت ذلك قبلت الزواج منك.
وجم الرجل وتولته الدهشة لهذا الذي طلبت إليه، وبعد أن فكر في الأمر مليا قال: لك ما تطلبين، فالأمر في ذلك أمرك أنت، وإذا وجه الناس فيه لوما فسيوجهونه إليك، على أنني أوثر ألا نعجل في ذلك، وألا نعجل في إعلان زواجنا حتى لا يعرفه مطلقك، فإذا انقضت على زواجنا بضعة أشهر انتقلت إلى بيتي بالقاهرة، ودبرنا أمر الطفلين في هذه الأثناء، عند ذلك أجبته: إذن فأنت وما تريد.
ولم ينقض هذا المساء حتى كان قد أحضر المأذون فأطلعه على وثيقة الطلاق فعقد زواجنا، وانتهت بذلك حيرتي وقلقي؛ إذ أصبحت في عصمة رجل أثق به وأطمئن إليه، وله إلى ذلك الفضل في أنه هو الذي عرض نفسه لينقذني من هذه الحيرة وهذا القلق، برغم ما يمكن أن يتهمه الناس به من أنه خان عهد الوفاء لصديقه، وخفر ذمته وسلبه زوجه.
وعاد الرجل الغداة إلى القاهرة وكأن شيئا لم يحدث، وأخذ يتردد علينا كل أسبوع متحاشيا يوم يجيء مطلقي يرى فيه ولديه، وانقضت الأيام والأسابيع والأشهر بعد ذلك، وقد سكنت نفسي وهدأ بالي واطمأننت إلى الحياة، ولم يعد يشغل بالي من أمرها إلا أن ندبر كيف ننسب الطفلين إلى زوجي، ولم يكن تدبير هذا الأمر مستطاعا قبل أن يعلم مطلقي بزواجنا، وقبل أن نقطع صلته على وجه حاسم بنا.
وبقيت أتناول من مطلقي ما قرره لنا من نفقة حتى عدت إلى القاهرة، وحتى علم بأنني تزوجت صديقنا، هنالك جن جنونه وأيقن أنني لم أفسد زواج صديقتي بصديقنا إلا لأتزوجه أنا، فأنا إذن كنت أحب الرجل الذي تزوجته اليوم إذ كنت في عصمته هو، وأنا لم أغاضبه ولم أناصبه العداوة إلا لهذا السبب، وأن صديقنا حرضني على ذلك وأعانني عليه، كما حرضني على هجر بيت الزوجية والفرار إلى الإسكندرية، ولم يترك مطلقي وسطا من الأوساط التي يغشاها إلا طعن فيها على صديقنا أشد الطعن، ورماه بالخيانة والغدر، وبكل منقصة تنكرها الرجولة وتأباها الكرامة.
ولم يقف أمره عند هذا الحد، إنه يعلم تعلقي بولدينا وحبي لهما حب العبادة لا حب الأم؛ لذا بعث إلي من يخبرني أنني لم أعد أصلح للقيام عليهما بعد أن تزوجت، وأنه يطلب أن أسلمه إياهما بالحسنى، وإلا قاضاني لضمهما إليه، وطلبت إلى رسوله أن يبلغه أنني لا أزال أطمع منه فيما عودنيه من عطف ونبل، وألا يحرم الولدين من حنان أمهما وقد تعوداه، وأنني سأبعث بهما إليه يوما من كل أسبوع يقضيان سحابة نهارهما عنده، وتوسلت إلى الرسول كي يقف مدافعا عني عند مطلقي وقلت له: «بالله عليك، أكان يرضيك أن أبقى بلا زوج فتكثر قالة الناس في وتجرحني بالباطل؟! لقد نذرت نفسي غداة طلاقي لهذين الطفلين أربيهما ثم لا أتزوج ما عاشا، لكنني رأيت نفسي بعد شهر عاجزة عن الوفاء بنذري، معرضة لما تتعرض له امرأة في مثل موقفي من سوء القالة وإثم الظن، ولولا أن عرض صديقنا نفسه ليفتديني مما كنت معرضة له لبقيت ينهشني الناهشون، ويدسون إلى قلبي سمومهم حتى أموت كمدا، لكن هذا الرجل كان صديقا لمطلقي قبل أن أعرفه، ثم كان مطلقي سبب التعارف بيننا وتوثيق صلتنا؛ إذ قدمه لي على أنه أكثر أصدقائه وفاء ومروءة، هذا الرجل أدرك حرج مركزي فقدم نفسه منقذا لي؛ فتشبثت باليد التي مدها إلي إبقاء على سمعة طاهرة ما تعرضت يوما لكلمة سوء، أليس حقا على مطلقي أن يحمد هذا الصنيع؟ أم يكون جزاء ولدي أن يحرما من حنان أمهما، وأن يعيشا مع مربيتهما يتيمين؟ «ناشدتك المروءة يا سيدي إلا ما رجعت إلى صاحبك وأقنعته بأن ولدينا عندي أعز من عيني، بل أعز من حياتي، وأنني سأبقى مدينة له بهذه الحياة لقاء تركهما في أحضان عنايتي، أنا أم يا سيدي فلا تكن علي في حرماني من حبة قلبي، بل كن لي ولك شكري وثنائي، وادع الله معي أن يوفقك فيما أرفع إليك أكف الضراعة فيه.»
كانت نبرات صوتي في أثناء هذا الحديث تصور ما ينبض به قلبي، وكنت في ختامه قد رفعت كفي المرتعشتين ضارعة إلى رسول مطلقي ليكون عوني، فلما أتممت كلامي ألقيت رأسي بين ذراعي أخفي دموعي التي انهملت وفضحها بكائي، ثم رفعت رأسي فإذا الرجل كله التأثر يكاد يبكي لبكائي، فلما استرجعنا بعض سكينتنا قال: «ليتني أستطيع في الأمر شيئا يا سيدتي، ولو أنك رأيت ثورة مطلقك لعذرتني، ولو أنني عرفت قوة حجتك لما قبلت رسالته، صحيح أنه حذرني من سحر حديثك، وحديثك ساحر لا ريب، ولست أدري والأمر ما أسمع وأرى كيف طابت نفسه بتطليقك، على أنه ذكر لي أنك لو كنت تزوجت شخصا غير هذا الذي خان عهده وأبعدك عنه، لما ثار بك هذه الثورة، مع هذا سأكون رسولك إليه، كما كنت رسوله إليك، وأرجو أن أوفق معه إلى ما يرضيك برغم ما في ثورته من عناد وعنف.»
انصرف هذا الرسول ولم يعد إلي، وحسبت أنه وفق في إقناع مطلقي بما أردت؛ لأنني لم أسمع عن هذا الموضوع حديثا أسابيع متعاقبة، بل لقد بعث إلي مطلقي بنفقة الطفلين بعد ذلك مما ثبت عندي الظن بأنه أجاب رغبتي، على أني علمت أنه سافر بعد ذلك إلى الإسكندرية لغير سبب أفهمه، ولم أعن نفسي بالتماس العلة لهذا السفر، ولم أتتبع خطواته فيه، ولم يدر بخاطري أن له بحياتي هناك أيه صلة. وكان من أثر سكوته الظاهر عني أن استراح ضميري إذ قدرت أن أمر الطفلين انتهى إلى ما أريد، وإن اضطرني ما حدث للتنازل عن مطالبة زوجي بأن يتبناهما حتى لا يثور الأب من جديد لإهدار أبوته فيعود إلى المطالبة بضمهما إليه.
Неизвестная страница