فعادتا إلى الأكل وهما لا تتكلمان، ولم تكادا تفرغان من الطعام حتى تكاثف الظلام واحتاجتا إلى الضوء، فصفقت عزة، فجاء رجل في نحو الستين من عمره ما زالت آثار الجمال بادية فيه، وهو نظيف الثوب حسن الهندام، فلما رأته سمية غطت وجهها، فضحكت عزة وقالت: «أتحتجبين من مخنث؟!» ولم تكن سمية قد عرفته في الظلام.
وكان في المدينة جماعة كبيرة من هؤلاء المخنثين، يخالطون النساء، وأكثرهم يحبون الغناء ويحسنونه. وكان من أراد خطبة امرأة سأل عنها أحد المخنثين فيصفها له، ثم يتوسط بينه وبينها حتى يتزوجها. وكان أكثر هؤلاء المخنثين يترددون على عزة ويتقربون إليها ليستفيدوا منها تعلم الأصوات.
فلما وقف ذلك المخنث بين يديها قالت: «ما جاء بك يا طويس؟»
فلما سمعت سمية اسم طويس قالت: «أطويس هذا؟»
قالت: «هو بعينه. ولا تعجبي من أنه جاء على غير موعد؛ فإن ذلك دأبه معنا.» ثم التفتت إليه وقالت: «يا طويس قل للجارية تضيء لنا الشموع فإننا سننزل بعد قليل.»
قال: «أفعل ذلك بشرط.»
قالت: «وما هو؟»
قال: «تغنين لي شعرا على الهزج.»
قالت: «أتطلب أن أغني لك الهزج وأنت أهزج الناس؟ ألا سألتني أن أغني من الثقيل أو الرمل؟»
قال: «لا أبالي أي صوت وإنما أقترح عليك شعرا تغنينه.»
Неизвестная страница