إنني أعترف لك أنني لم أكن هكذا يوم جئت، أنا - كما تعلم - حياتي هي فرنسا، وقد اشتركت في حمل جمهوريتنا على أكتافي، كنت وأنا أضع قدمي على أرض مصر أحس أني مقبل على بلاد أفريقية مظلمة، أحمل لها شعلة الحضارة وأذيقها طعم الجمهورية التي تنهل منها بلادي، فإذا بي اليوم، ماذا أقول؟! لقد شاهدت القوى الخارقة بعيني يا روان، لقد مسني سحرها ولكنك لن تفهم، لن أجد أحدا في العالم، عالمكم، يفهم ما أعني، فلماذا أتعب يدي وقلمي؟!
حسنا، سأصنع كما يصنع مرشدو الآثار، وسأحدثك عن مصر، فأظن أن الحديث في هذا هو الذي يستهويك، المصريون يا صديقي ليسوا كما تقول، فهم لا يرقصون حول النيران في الليل، وحريمهم أبعد عن حريم ألف ليلة وليلة، وهم غير المماليك، وأظنك لا تعلم هذا، والمماليك انتهينا منهم أو من أمرهم في أولى جولاتنا معهم، جاءوا في صف طويل يرتدون الملابس الحريرية الهفهافة ويركبون الخيل المطهمة وخلف كل منهم عبد أسمر يجري، جاءونا كدون كيشوت، شاهرين سيوفهم ويصرخون فينا أن نخرج لهم لتدور بيننا وبينهم الحرب ويبدأ النزال.
وكانت إجابة الجنرال (يقصد نابليون) عليهم حاسمة، فقد أطلق عليهم مدفعيته في الحال.
وطبعا سقطوا يتخبطون ويصرخون ويلعنون نذالة «الفرنسيس» ويترحمون على زمن الشجاعة والإقدام.
وبعد معركة أو معركتين كنا قد انتهينا منهم كما قلت لك.
أما المصريون، فبعضهم يسكن القاهرة والمدن، ومعظمهم يزرعون الأرض ويسكنون قرى سوداء مبنية بالتراب في الأرياف واسمهم الفلاحون.
وآه من هؤلاء الفلاحين يا جي!
إذا رأيتهم عن قرب، ورأيت وجوههم التي تبتسم لك في طيبة وسذاجة، وأدركت خجلهم الفطري من الغريب، ربما يدفعك هذا إلى الاستخفاف بهم وتعتقد أنك لو ضربت أحدهم على قفاه لما جرؤ على أن يرفع لك وجهه، ولتقبل الإهانة بكل سعادة وخشوع.
حذار أن تفعل شيئا كهذا يا جي!
فقد حاول الجنرال وكليبر وبيلو ذلك وندموا.
Неизвестная страница