حدق في طويلا حتى فكرت أن أتركه واقفا في مكانه وأجري، ولكنه قال: «براوة عليك يا ولد! جدع اللي فكرت في دي! أنت ابن مين يا شاطر؟»
وازداد ارتباكي واضطرابي، وأنا أشرح له ابن من أنا، ومن أين جئت، وحينئذ قال: «بتسأل السؤال ده ليه؟»
قلت في تردد، وهو يستعيد كلماتي كلمة، كلمة: «علشان أعرف، هو سلطان والا ولي.»
قلب عصاه فوضع العقفة على الأرض وأمسكها من أسفلها وهو يقول: «لا ولي ولا سلطان ولا دياولو! أوع تصدق الكلام الفارغ ده! سلطان حامد إيه؟! أنا أعرف السلطان حسين سلطان مصر، الله يرحمه ويحسن إليه، أعرف السلطان عبد الحميد خليفة المسلمين، أعرف السلطان الغوري أعظم سلطان في زمانه، إنما سلطان حامد دا إيه؟! دا حتى اسمه ما ينفعش لواحد سلطان! ده تلقاه صعلوك، ولا كان ولي ولا خلافه، دا أنا أسمع أنه كان بيدي عهود للنسوان في أوضة ضلمة، وكان مايديش العهد إلا وهو شارب قزازة كان بيملا نصها سبرتو ونصها خل علشان يبقى طينة مطينة! إنما أنا مبسوط منك، أنت في الابتدائية؟ أخدتم إنجليزي لغاية فين؟ وبتاخدوا أجرومية والا لأ؟ أنا مبسوط منك، أنت باين عليك ولد نبيه، سلم لي على أبوك، قول له: جدي الأحمدي أفندي بيسلم عليك، ح تقول له: جدي مين؟»
ولم يتركني الأحمدي أفندي يومها إلا بعد أن سألني في العربي والإنجليزي والأحياء والصحة وأثبت لي أن علمنا لا يساوي قلامة ظفر بالقياس إلى العلوم أيام زمان، وفي النهاية أوصاني أن أطرد من عقلي حكاية السلطان، وإلا فإنه سوف يشكوني إلى أبي حين يقابله.
ولم أطردها من عقلي، بل كبرت وأصبحت مشكلة عويصة.
هذا الإنسان الغريب، الذي ليس وليا من أولياء الله، لماذا خصه أهل بلدنا بهذا التكريم؟! ولماذا بني له مقام؟! وكيف احتل تلك المكانة الهائلة في صدور الناس دون أن يعرفوه؟!
هل هو سلطان؟
وإذا كان سلطانا، فعلى أي شيء كان سلطانا، ثم إن كلمة سلطان كلمة كبيرة تكاد تساوي كلمة الملك، فكيف يدفن سلطان كهذا في بلدنا، بلدنا الصغيرة التي لا يعرفها أحد؟! لماذا بلدنا بالذات؟! وكيف يكون مدفن السلطان متواضعا إلى هذا الحد؟!
5
Неизвестная страница