وكان واضحا أن الشيخ علي حقيقة لن يتراجع، وأنه ينوي أن يلبخ، ويحدث حينئذ ما لا تحمد عقباه.
وبدأ الشيخ علي يعد، وبدأت نقاط العرق تنبت على الجباه، وأصبح حر الظهر لا يطاق، حتى إن بعضهم تهامس أن النقمة لا بد قد بدأت تحل، وأن ذلك الحر الفظيع إن هو إلا مقدمة للحريق الهائل الذي سوف ينشب، ويأتي على كل القمح الواقف والمحصود.
وأخطأ أحدهم مرة وقال: «ما تشوفولوا لقمة يا ولاد، يمكن يهبط.»
ويبدو أن الكلمة وصلت إلى أذن الشيخ علي مع أنه كان يعد بصوت عال مرتفع، فقد استدار إلى الجمع قائلا: «لقمة إيه يا بلد غجر؟! لقمة من عيشكو المعفن وجبنتكم القديمة اللي كلها دود؟! وده أكل؟! وديني، مانى ساكت إلا اما تنزل لي المائدة لغاية هنا هه، وعليها جوز فراخ.»
وسرت همهمة كثيرة في الجمع، وقالت ولية من الواقفات: «أني طابخة شوية بامية حلوين، يا خويا، أجيب لك صحن؟»
وصرخ فيها الشيخ علي: «إخرسي يا مرة! بامية إيه يا بلد كلها قرون؟! دا عقولكو بقت كلها بامية! وريحة بلدكو زي ريحة البامية الحامضة!»
وقال أبو سرحان: «حدانا سمك صابح يا شيخ علي، شاريينه لسه من احمد الصياد.»
وزأر فيه الشيخ علي: «سمك إيه بتاعكو ده؟! اللي قد العقلة يا بلد «صير»! هو ده سمك؟! وديني، إن ما بعت جوز فراخ والطلبات اللي قلت لك عليها لشاتم وزي ما يحصل يحصل!»
وأصبح الوضع لا يحتمل، إما السكوت وضياع البلدة ومن فيها، وإما إسكات الشيخ علي بأي طريقة، وانطلقت مائة حنجرة تعزم عليه بالغداء، وانطلق صوته مائة مرة يرفض، ويصر على الرفض ويقول: «ماني قاعد على اللضى يا بلد! بقى لي تلات ايام ما حدش عزم علي بلقمة! حليت العزومة دلوقتي؟! وديني، مانى ساكت إلا اما تيجي المائدة من عند ربنا!»
واستدارت الرءوس تسأل عمن طبخ في هذا اليوم؛ إذ إن كل الناس لا يطبخون كل يوم، وأن يكون لدى أحدهم «زفر» أو فراخ يعد حادثا جللا، وأخيرا وجدوا عند عبد الرحمن رطل لحمة «بتلو» مسلوقا بحاله، فأحضروه على طبلية، وأحضروا معه فجلا، وجوزين عيش مرحرح، ومخ بصل، وقالوا للشيخ علي: «يقضيك ده؟»
Неизвестная страница