وكان البيت الذي يقطن فيه عم محمد بعيدا عند سفح الجبل، وعبارة عن حوش واسع، في وسطه كومة هائلة من الزبالة وحولها حجرات أكثرها منهار، ومع هذا فلكل حجرة سكان وقاطنون.
ولم يثر مقدمنا ضجة ولا صراخا ولا صخبا، كان كل شيء هادئا وكأن لم يمت أحد، كل ما حدث أن بعض الكلاب هبهبت فصرخ فيها المعلم وأبعدها.
وكانت الحجرة مظلمة لا يضيئها غير النور الداخل من الباب، وكان عم محمد راقدا بجوار الحائط ومغطى بأوراق جرائد ألمانية قديمة لا يدري أحد كيف جاءت إلى هذا المكان.
وزعق المعلم في «الصبي» الجديد: «اكشف يا جدع.»
وانحنى الصبي الشيخ بسرعة، وأزاح الجرائد ويده تهتز وترتعش، وبدا عم محمد ممددا وميتا ووجهه إلى الحائط كالتلميذ المذنب، كان ممددا بنفس ملابس الشغل وجسمه الصغير يكاد يتكور على نفسه وقدماه اللتان طالما لفتا الدنيا جريا في جري، كانتا مسكينتين وعليهما حذاء سميك من الطين الجاف والتراب.
وقال المعلم: «أهه، ما فيش حاجة بتاتا، اقلب يا جدع، اقلبه على ضهره وريه للبيه.»
ومد الصبي العجوز يديه وحاول قلب الجثة ففشل وحينئذ رأيت وكأن عم محمد ينبري له من ميتته وينتفض مستديرا بطريقته الخفيفة النشطة: «أوعى يا جدع، جك تربة تلمك! أنا هه، اتفضل يا بيه، أنا اللي أقلب نفسي، بس كان لزومه إيه تعبك يا بيه؟! أنا هه؛ نضيف زي الفل، ما فياش صنف حاجة، آدي يا سيدي، رجليه أهه.»
ومد عم محمد رجليه، فبدتا كجريدتين رفيعتين من جرائد النخل وقد نزع عنهما السعف. - «وآدي جسمي أهه.»
وخلع ملابسه بسرعة، ووقف في وسط الحجرة عاريا كما ولدته أمه، وبدا جسده جافا ناشفا، ليس فيه درهم واحد من اللحم، ويبدو أن الإنسان كالنبات؛ يولد بذرة ويظل ينمو وتخضر أوراقه، ثم يزدهر في شبابه وتنفتح وروده، ثم ينضج وتتكون له الثمار في الرجولة، وبعد ما يخلف ويؤدي رسالته في الحياة ويصبح عجوزا يحدث له ما يحدث للنبات بعد قطف ثماره فيجف، وتبرز عظامه، ويتناقص لحمه حتى ينتهي إلى شيء كعود القطن الجاف بعد جمعه، ومضى عم محمد يقول وهو يستدير ليستعرض جسده: «مش قلتلك يا بيه! عضمة كبيرة، وآدي دراعه أهه.»
وحاول عم محمد جذب ذراعه فلم يستطع؛ إذ يبدو أن الروماتيزم الذي كان يشكو لي منه دائما قد جففها تماما وجمدها، فتركها عم محمد يائسا وانتقل إلى رأسه: «وآدي الراس.»
Неизвестная страница