فهتفت صفاء بغضب: ولكني لا أطارده.
فقالت سميرة بأسى: أغلقي هذا الباب بالضبة والمفتاح.
أجل. لا مفر من ذلك. ولا نجاة من الألم، ولكن لماذا؟ وواصلت سميرة: ينظرون إلينا من فوق، وقديما حصل ذلك مع خالتك مطرية!
تساءلت بحنق: كيف يتصورون أنفسهم؟! - ما علينا، أريد أن أطمئن عليك.
فقالت باستهانة: اطمئني تماما.
وقد تجرعت ألما ومهانة ولكنها لم تخل من بعض سجايا أمها الفريدة، وهي القدرة على التصدي للكوارث. وانقطعت العلاقة مشفوعة بالازدراء. وتخرجت، وتعينت مترجمة إدارة الجامعة بوساطة الأكابر من أهل أمها! ورآها السكرتير المساعد للإدارة فرغب في الزواج منها؛ كان يكبرها بحوالي عشرين عاما ولكنه ذو درجة عالية ودخل لا بأس به، ووزنت العرض فوجدته مناسبا لحالها تماما، وتبين لها أنها «عملية» أكثر مما ظنت. وزفت إلى صبري بك القاضي بفيلته بحدائق القبة. ووهبتها حياتها الجديدة ما تحب من عيشة رغدة وزوج محب كريم وأمومة قنعت بولدين علي وعمرو. ولما قامت ثورة يوليو لعبت بأسرتها كما شاءت فرفعت شقيقها حكيم وضيعت سليم، ومن حسن حظها هي أن صبري القاضي كان قريبا لضابط مهم فترقى في مدة قصيرة حتى شغل وظيفة وكيل وزارة التربية، وأحيل إلى المعاش لبلوغه السن، ولكنه دفعها مرات حتى وصلت إلى درجة مدير عام. وأشرفت بنفسها على تربية علي وعمرو حتى التحقا بالسلك السياسي. هكذا تألق هذا الفرع في عقد البيروقراطية الماسي ونجا من شر العواصف.
حرف العين
عامر عمرو عزيز
أول هدية من عالم الغيب تغمر قلبي عمرو وراضية بالفرحة والرضا والفخر، وتؤكد الحقيقة التي يؤمن بها ميدان بيت القاضي وهي أن ليس الذكر كالأنثى. وجاء مشرقا بوجه مليح، يقتبس ملاحته من خير ما حظيت به راضية من استقامة الأنف وعلو الجبهة، وما ستعرف به سميرة فيما بعد من دقة القسمات وتناسقها، ومن أبيه أخذ هدوء الطبع والتقوى ونزعة القيادة والرعاية. طالما جمع أخواته فوق السطح ليقوم بينهن بدور شيخ الكتاب، وبيده عصا منعه من استعمالها الحياء والعذوبة. ونشأ نظيفا أنيقا يطوف بالأحياء باسما متأملا ويتربع أمام ضريح الحسين لاهجا بالدعاء، ونجح دائما في كسب الأصدقاء من الجيران، من طبقته ومن الطبقة الأعلى. ولم يستطع الأدنون أن يتحرشوا به أبدا، وفاز بالحظوة أيضا في سراي ميدان خيرت وعند آل داود. وشق طريقه التعليمي بالنجاح وتفوق في العلوم والرياضة، وبفضل كبراء الأسرة نال امتياز المجانية فتخفف أبوه من عبء لم يكن ليتحمله وهو في حومة تزويج صدرية ومطرية وسميرة ... ومنذ صباه حدث الميل المتبادل بينه وبين عفت بنت عبد العظيم باشا داود. حدث فوق السطح في ظل الغسيل المنشور، ونما مع الأيام والزيارات المتبادلة حتى صار حبا وحلما للمستقبل. وكانت تلك الأمور تقع سرا ولكن رائحتها تفوح كالوردة، وانتصر الحب أول ما انتصر على البنت المترفعة التي كانت تنظر إلى أسرته من عل، كأن الله لم يخلق للنبل إلا أسرتها. وقالت فريدة هانم حسان لعبد العظيم باشا: نحن نربي بناتنا في المدارس الإفرنجية ليكن صالحات لطبيب أو وكيل نيابة من أسرة.
فقال الباشا: عمرو ابن عمي ولا أعدل به أحدا.
Неизвестная страница