فقال الرجل: وما قيمة الوزير؟ سينقص دخلك إلى النصف. - ولو.
فقال الآخر ضاحكا: أصارحك بأني فعلت.
ورمقه بنظرة باسمة ذات معنى، فقال حكيم: أعدك بأن أقلع عن القمار.
فقال واجما: ومسألة أخيك سليم أيضا!
وعدل عن التفكير في الوزارة ولكن نجمه استمر في الصعود فانتخب عضوا في مجلس الأمة، وما زال نوره يتألق حتى 5 يونيو، فابتلعت الظلمات صديقه فيمن ابتلعت، وتلاشى نفوذه بضربة واحدة وإن بقيت له وظيفته. جاء السقوط هزيمة شخصية فوق الهزيمة العامة ومضغ مرارة الهوان بعد حلاوة العزة، وشق عليه تنكر الكثيرين له حتى الذين انتشلهم من التفاهة بوفائه، ولم يبق له من عزاء في الدنيا إلا في ابنيه حسين وعمرو اللذين صارا ضابطين في سلاح الفرسان. وفي تلك الآونة تجلت به أعراض ضغط الدم الخبيث وقاسى منها ما قاسى، ثم دهمته داهية كثيرا ما ناوشته في أحلام يقظته السوداء، عندما بلغ باستشهاد عمرو في حرب الاستنزاف وكان - بخلاف سنية - يحب ضبط النفس، والتظاهر بالشجاعة، والرضا والقدر، تاركا أحزانه تنعقد في أعماقه كالعكارة في جوف الوعاء. وواصل وجوده حتى رحل زعيم وخلفه آخر، وعاصر 6 أكتوبر فهزته نشوة لم يشعر بمثلها منذ الأيام السعيدة قبل 5 يونيو، ولكن سرعان ما خمدت شعلتها عندما تلقى نبأ استشهاد ابنه الباقي حسين في الميدان. وانفجر الضغط صاعدا بلا ضابط فوق ضبط النفس والتظاهر بالشجاعة والرضا بالقدر فقتله، وتحدث تلك الأمور وراضية تهيم في ذروة شيخوختها، وتضاحك الملائكة في البيت القديم!
حليم عبد العظيم داود
ولد ونشأ في فيلا أنيقة بالعباسية الشرقية، وهو الابن الثالث لعبد العظيم باشا داود. مقبول الوجه رياضي الجسم مدمن منذ صغره للهو واللعب والمزاح والعربدة، لا تصدر عنه كلمة جد واحدة. أخواه اللذان سبقاه كانا غاية في الجد والاجتهاد؛ لذلك قال: خلقت لأحدث التوازن الضروري في الأسرة.
ويتابع عبد العظيم باشا عثراته المدرسية بمرارة ويقول له: ستكون عارا على نفسك وأسرتك.
ولكنه لم يكن يكترث لملامة، ولم يحتفظ من سجايا أسرته إلا بالكبرياء والغرور والنظرة إلى الآخرين من عل، حتى أهله كمال وعمرو وسرور أضمر لهم الازدراء، وحنق على المتفوقين منهم، ولم يسلم من لسانه إلا عامر الذي تزوج من شقيقته عفت، أما آل المراكيبي فكان يضعهم - رغم ثرائهم - في الدرجة التي كرستها لهم أسرة داود باعتبارهم أشباه أميين ومن صلب رجل كان يبيع المراكيب. ولم يكن يتورع عن إغواء قريباته الجميلات اللاتي يقاربن سنه مثل جميلة وبهيجة ابنتي سرور أفندي أو دنانير بنت رشوانة ... لولا ثقل التقاليد ويقظة الأمهات. ولعل حامد كان الوحيد الذي يعمل له ألف حساب لقوته واستعداده الفطري للعنف، فحقد عليه، ولم يصف ما بينهما إلا حين جمع بينهما سوء المصير في أواخر العمر وفي صباه ومراهقته - وبتدليل أمه له - أتقن السباحة والكرة والقمار والخمر والعشق والمزاح، وامتاز أيضا بصوت عذب فكان يقول بغروره المعهود: لولا تقاليد الأسرة لكنت مطرب العصر.
وبعد صراع طويل مع المدرسة قرر الالتحاق بمدرسة الشرطة، واستاءت الأسرة رجالا ونساء وقال له أبوه: نحن أسرة قانون وطب.
Неизвестная страница