وفي أثناء هذا الحديث كانت الشمس توجه أشعتها إلينا فتنفذ حرارتها إلى مجرى الدم في العروق، فالتفت إلى «إبليس» وقلت: انظر إلى البون العظيم الذي بين أن تسطع الشمس على الحياة والأحياء، وأن تسطع على الموت والأموات. فهي إذا سطعت على الأحياء من الناس بعثت فيهم حرارتها من العواطف ما تتحمل به الحياة، وإذا سطعت على الزهر بعثت فيه من بواعث الحياة ما تبعثه في صدر الإنسان.
فضحك «إبليس» ساخرا، وقال: ويحك ألست ترى سطوع الشمس على الأحياء مثل سطوعها على الأموات؟ أليست حرارة الشمس تولد الشهوات وغيرها من عوامل الشر في صدور الأحياء، كما أنها تولد الديدان في جثث الأموات، والديدان في جثث الأموات مثل الشهوات في قلوب الأحياء؟
ثم رأيت طفلا على وجهه نقاب من القذارة توسد الأرض، وصار يضرب بعصاه على قطعة من الخشب، فقلت: انقر على دفك فإن في عمرك فسحة لمعاناة آلام الحياة، والموت، والتفكير فيهما، فضحك «إبليس» وقال: أنا الكفيل له بذلك.
الجحيم
زرت «إبليس» مرة في الجحيم، وطلبت منه أن يريني بعض أنواع العذاب في جحيمه، فبرقت عيناه بريق القسوة، وأخذ بيدي وقال: تعال انظر إلى بني جلدتك يعذبون، ولكنك ربما خشيت على جلدتك ما تراهم فيه من العذاب. فقلت له: هون عليك، فإني أعتقد أنك أنت وزبانيتك وجحيمك الذي أراه حلم فظيع، وسأفيق منه يوما، ثم أهزأ به. فقهقه.
ثم سرنا حتى وصلنا إلى ضرام عظيم عليه قدور كبيرة، وفي كل قدر امرأة أو رجل يعذب، وقد سلخ الماء جلده، وهرى لحمه، حتى سال دمه وشحمه، وبدت عظامه، وكانت صرخاته ينفطر لهولها القلب، وعلى كل قدر عفريت، فأتم يقلب الرجل بسيخ في يده، كلما نضج جانب من جوانبه أدار جانبه الآخر. فقلت لإبليس: متى ينتهي عذاب هؤلاء؟ قال: لا ينتهي أبدا، وكلما نضجت جلودهم ولحومهم أعيدت لهم جلود ولحوم.
ثم سرنا حتى رأينا رجالا مصلوبين على قوائم من الحديد الملتهب، وحول كل رجل عدد من الزبانية في يد كل عفريت منهم قضيب من الحديد الملتهب، وهم يضربون الرجال حتى تتهرى لحومهم، فتعاد لهم لحوم. ثم سرنا حتى وصلنا إلى بركة فيها النار السائلة، وفيها النساء والرجال يعومون، حتى إذا وصلوا إلى حافة البركة. ثم سرنا حتى وصلنا إلى تماثيل من النار، فيها يعذب المعذبون. ثم سرنا حتى بلغنا ساحة فيها كثير من المعذبين يقطع الزبانية من لحومهم، ويطعمونهم ما يقطعون، ويجمعون دموعهم في أوعية، ويسقونهم منها، ممزوجة بماء النار.
وفي مكان آخر وجدنا أناسا في أقفاص ضيقة من الحديد، والزبانية يتفكهون بتعذيبهم، فيطعنونهم بسيوف من نار، ويصبون عليهم ماء النار. ثم سرنا حتى وصلنا ساحة واسعة في وسطها أناس يسقط عليهم من السماء ذر كثير ناري يغطيهم جميعا، فيحترقون، ثم تعاد لحومهم، ويفعل بهم كذلك إلى الأبد.
ثم تحولنا إلى ناحية من نواحي الجحيم، حيث يعذب المعذبون بالأمراض، يسلط الله عليهم السل والوباء والزهري واليرقان والسوداء والبرص والحمى وغيرها من الأمراض، تجتمع على كل منهم حتى يتهرى لحمه. وقد رأينا هؤلاء المعذبين مطروحين في أماكنهم، كأنهم جثث عفنة تتصاعد منهم رائحة كريهة، فسددت أنفي كي لا أقيء من خبث تلك الرائحة. ثم سرنا إلى مكان يعذب فيه المعذبون بالحشرات، وهو مكان كالجب المنخفض، وفيه العقارب والثعابين أشكالا وأنواعا، وفيه البق والدود والبراغيث والقمل والصراصير والخنافس والفيران، وفيه كثير من الحشرات التي لم نسمع عنها في الدنيا، تأكل أجسام المعذبين أكلا. وقد اختلطت هذه الحشرات بلحومهم حتى تكاد لا تميز بين المعذبين وبين الحشرات التي يعذبون بها.
ثم سرنا إلى مكان آخر يعذب فيه المعذبون بالخوازيق، فيأتي الزبانية بالتعس المجرم، ويجلسونه على خازوق حاد رفيع فينفذ منه، ويخرج من رأسه، ثم تعاد له الحياة والصحة، ويفعلون به ذلك إلى الأبد. ثم رأينا جماعة من الناس يعذبون بآلة يوضعون فيها، وتربط بها أيديهم وأرجلهم، ثم يدير الزبانية تلك الآلة فتتفكك أعضاؤهم، وهم يصرخون صراخ المجانين من شدة الألم.
Неизвестная страница