أيتها الإنسانية ما أحلاك في عيني. أنت كالعاهرة وفضائلك مثل تلك الصبغة الحمراء التي تصبغ بها العاهرة خديها وشفتيها، ورذائلك مثل ذلك الكحل الأسود الذي تزين به العاهرة عينيها، وصوت ضميرك مثل صوت خلخال العاهرة الذي يطرب الفاسق ساعة الفسق، فأنت أيتها الإنسانية تزينك رذائلك كما تزينك فضائلك، وتشينك فضائلك كما تشينك رذائلك.
أيتها الإنسانية أنت كالحية الرقشاء، وفضائلك مثل جلدها الناعم المرقش، ورذائلك مثل أنيابها اللامعة. أيتها الإنسانية أنت كالجثة العفنة، وفضائلك مثل ذلك الذباب الكثير الألوان الذي يتهافت عليها، ورذائلك مثل ذلك اللحم الذي تنزعه الذئاب عن العظام، فتتغذى به كما يتغذى الناس برذائلك. فأنت أيتها الإنسانية تزينك رذائلك كما تزينك فضائلك ، وتشينك فضائلك كما تشينك رذائلك.
اللهم يا خالق الأنغام والموسيقى أعطني آلة من آلات أنغامك قد روضتها يدك القادرة على النغم، وأعرني قطعة من صوتك، ونغمة من أنغامك كي أوقظ بها هذه النفوس، وأسمعها لحنا من ألحان القوة والحياة يعيننا على استئناف الحياة، والتماس القوة.
الفلسفة والبطن
وضعت مرة أمامي الكرة الأرضية التي ندرس عليها دروس تقويم البلدان، ثم جعلت أتأملها، ووكلت بها النظر كله فصرت لا أرى غيرها، وجعلت أرى فيها سرا غريبا أرجو حله بالنظر إليها كأن في باطن تلك الكرة سر الوجود. أليست رمزا للأرض التي نسكنها؟ وعقل الإنسان يحسب دائما أنه يجد في الرمز من المعنى ما يجده في المرموز إليه.
ثم خيل لي أن هذه الكرة التي رسمت عليها القارات والبحار، ليست في الحقيقة كرة من الجص، بل كرة عن الديناميت وضعها «إبليس» أمامي مازحا، ثم خيل لي أن يديه مدت في الفضاء، فأخذت كرة من الديناميت، ورمت بها وجه الأرض، فتهدمت الأرض، ولم يبق منها باقية. وعند ذلك أفقت من حلم اليقظة، وقلت: ما يمنع أن تكون الأرض كرة كبيرة من الديناميت.
أليس شر الناس ورذائلهم ونقائصهم من عنصر ذلك الديناميت، فالإنسان إذا شئت ديناميت الشر.
حدثني «إبليس» قال: بودي لو مات عالم الإنسان كله، ولبث ميتا مدة أشهر ثم يحيا، فإنه يجد بعد عودته إلى الحياة أن الأفلاك لا تزال تضيء، وأن البحر لا يزال زاخرا، والرياح لا تزال عاصفة، والليل والنهار يعتوران الأرض. وأكبر ظني أنه يزعم من غروره أن هذه الأشياء قد هلكت حين هلك، وأنها بعثت حين بعث.
وحدثني «إبليس» قال: ولماذا صار الإنسان - وهو حيوان - يحدث في هذا الوجود ضجة أعظم من ضجة غيره من الحيوانات، فيقرع الطبول ويدق الأجراس، ويطلق المدافع ترحيبا أو قتالا، محبة أو عداء؟ ألم يقل العلماء: إن الحيوان إذا لطفت أعصابه ورقت كره الأصوات الضخمة؟ إذا الإنسان أغلظ أعصابا وشعورا من البغال والحمير، أم تراه يحب تلك الأصوات الضخمة من أجل جلالها؟ أم من أجل أنها تثير فيه ذكرى الوحشية والزمن القديم، حين كان يهز ذنبه في سيره اختيالا، كما يهز الآن عصاه ويلويه تيها ودلالا، كما يلوي سلسلة الساعة؟
ألم يجل بخاطرك أن الإنسان حيوان مفترس، عليه من الحضارة والنفاق ثوب رقيق يلبسه كي يخفي ملمسه الخشن، وأنيابه البارزة، وأظفاره الطويلة؟
Неизвестная страница