٧ - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، وَعَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: خَرَجْتُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ أَقْفُو آثَارَ النَّاسِ، فَوَاللَّهِ إِنِّي أَمْشِي إِذْ مَرَّ بِي سَعْدٌ وَهُوَ يَقُولُ:
[البحر الرجز]
الْبَثْ قَلِيلًا يُدْرِكِ الْهَيْجَا جَمَلْ ... مَا أَحْسَنَ الْمَوْتَ إِذَا جَاءَ الْأَجَلْ
قَالَتْ: وَرَمَى سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ بِسَهْمٍ فَقَطَعَ الْأَكْحَلَ مِنْهُ، فَقَالَ: خُذْهَا، وَأَنَا ابْنُ الْعَرِقَةِ، فَقَالَ: عَرَّقَ اللَّهُ وَجْهَكَ فِي النَّارِ، قَالَ سَعْدٌ: اللَّهُمَّ لَا تُمِتْنِي حَتَّى تُقِرَّ عَيْنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَكَانُوا ظَاهَرُوا الْمُشْرِكِينَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَكَانُوا حُلَفَاءَهُ وَمَوَالِيَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَرَقَأَ كَلْمَهُ، وَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الرِّيحَ، ﴿وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا﴾ [الأحزاب: ٢٥] . فَرَجَعَ أَبُو سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ إِلَى تِهَامَةَ، وَرَجَعَتْ غَطَفَانُ إِلَى نَجْدٍ، وَرَجَعَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ إِلَى صَيَاصِيهِمْ، فَتَحَصَّنُوا فِيهَا، وَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَضَرَبَ عَلَى سَعْدٍ قُبَّةً فِي الْمَسْجِدِ، وَوَضَعَ السِّلَاحَ، وَوَضَعَ الْمُسْلِمُونَ السِّلَاحَ، وَجَاءَ جِبْرِيلُ ⦗٥٥⦘ فَقَالَ: قَدْ وَضَعْتَ؟ وَاللَّهِ مَا وَضَعَتِ الْمَلَائِكَةُ السِّلَاحَ بَعْدُ، اخْرُجْ إِلَيْهِمْ فَقَاتِلْهِمْ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِلَأْمَتِهِ فَلَبِسَهَا، وَلَبِسَ الْمُسْلِمُونَ السِّلَاحَ، ثُمَّ خَرَجَ، وَخَرَجَ الْمُسْلِمُونَ مَعَهُ، فَنَزَلَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَحَاصَرَهُمْ شَهْرًا أَوْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فِي قُبَّتِهِ الَّتِي ضَرَبَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَلَقَدْ كَانَ بَرَأَ كَلْمُهُ حَتَّى مَا يُرَى أَثَرُهُ إِلَّا مِثْلَ خُرْصِ الْمَرْأَةِ بِحَجَرِ الْبِرِّ، فَلَمَّا اشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الْحِصَارُ، قِيلَ لَهُمْ: تَنْزِلُونَ عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ فَاسْتَشَارُوا أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ، فَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ، أَنَّهُ الذَّبْحُ، فَقَالُوا: نَنْزِلُ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، قَالَ: انْزِلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَنَزَلُوا، فَأَرْسَلَ إِلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَأُتِيَ لَهُ بِحِمَارٍ عَلَيْهِ إِكَافٌ مِنْ لِيفٍ، فَحُمِلَ عَلَيْهِ ثُمَّ حَفَّ بِهِ قَوْمُهُ، قَالُوا: إِنَّهَا حُلَفَاؤُكَ وَمَوَالِيكَ، وَأَهْلُ الْبِطَانَةِ مَنْ قَدْ عَلِمْتَ، فَجَعَلَ لَا يُرْجِعُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا حَتَّى دَنَا مِنْ دِيَارِهِمْ، الْتَفَتَ إِلَى مَنْ حَوْلَهُ، فَقَالَ: لَقَدْ آنَ لِي أَنْ لَا أُبَالِيَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ ⦗٥٦⦘، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: فَلَمَّا طَلَعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ، وَقُومُوا إِلَى خَيْرِكُمْ، فَأَنْزِلُوهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «احْكُمْ»، قَالَ: فَإِنِّي أَرَى فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ، وَأَنْ تُسْبَى ذَرَارِيَّهُمْ، وَأَنْ تُقْسَمَ أَمْوَالُهُمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ، وَحُكْمِ رَسُولِهِ»، ثُمَّ دَعَا سَعْدٌ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَوْمٌ أَحَبَّ أَنْ أُجَاهِدَ أَوْ أُقَاتِلَ مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا رَسُولَكَ وَأَخْرَجُوهُ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ أَبْقَيْتَ مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ عَلَى رَسُولِكَ شَيْئًا فَأَبْقِنِي لَهَا، وَإِنْ كُنْتَ قَدْ قَطَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ، وَانْفَجَرَ كَلْمُهُ، وَرَجَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى قُبَّتِهِ الَّتِي كَانَ ضَرَبَ عَلَيْهِ، قَالَ عَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ: قَالَتْ عَائِشَةُ: لَقَدْ حَضَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ وَهُوَ يَمُوتُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنِّي لَأَعْرِفُ بُكَاءَ عُمَرَ مِنْ بُكَاءِ أَبِي بَكْرٍ، وَإِنِّي لَفِي حُجْرَتِي، قَالَ عَلْقَمَةُ: أَيْ أُمَّهْ، كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ؟ قَالَتْ: كَانَتْ عَيْنَاهُ لَا تَدْمَعُ عَلَى أَحَدٍ، وَلَكِنَّهُ كَانَ إِذَا وَجَدَ فَإِنَّمَا هُوَ آخِذٌ بِلِحْيَتِهِ "
1 / 54